للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشكل "المنهج الإسقاطي" خدمة للاتجاه التغريبي عندما نُدخِل نظرية ذات جوهر علماني إلحادي في منظومة دينية إسلامية، وهو يمثل صورة من الضعف أمام الوافد الغربي، والأصل من باحث مسلم أن يقف الموقف النقدي من نظريات ذات جوهر إلحادي وعلماني مهما كانت المنافع الأخرى التي في بعض فصولها، ومهما كانت الإنجازات التي حققتها في ميدان علم النفس، ولاسيّما إذا جاء التعامل مع أعز ما يملك الإنسان ويحياه، وهو المعتقد والدين والقيم. والحقيقة أن هذه الأبحاث المهزوزة قد ضعف شأنها مع بروز نخبة من الأكاديميين المميزين في علم النفس يسعون إلى تأصيله أو توجيهه إسلاميًا.

المثال الرابع:

اقتحمت -أو أُقحمت- نظرية فرويد حول الدين الكتابات العربية في "علم الاجتماع الديني"، فأغلب كتب علم الاجتماع الديني التي كتبها الاجتماعيون العرب خصصت فقرة لفرويد ورؤيته السيكولوجية، والغالب أن ذلك بسبب كونها استنساخًا لكتابات غربية، فهي تسير خلفها حذو القذة بالقذة، مع أن أصحابها يزعمون التأليف المستقل، ولكن في الحقيقة لا نجد حقيقة الاستقلال المعرفي فيما يكتبونه، ومن ذلك إدراجهم لرؤية فرويد، وكأنها تستحق هذه المكانة لدرجة أننا لا نجد أي تعليق حولها، وكأنها من المسلمات العلمية، مع أنها ذات جوهر إلحادي يتعارض تمامًا مع الدين.

يذكر "يوسف شلحت" في أثناء حديثه حول نشأة الدين وتطوره بأن "النظريات في الديانة تكاد تكون على نوعين: إما اجتماعية محضة، وإما نفسية محضة. . . . الفئة الأولى تكتفي بالحدث الديني العام، مهملة العواطف التي تتنازع المؤمن، إذ بالثانية تتخذ من العاطفة الدينية الخاصة دعامة لتشييد صرح الديانة" (١)، ثم يتكلم في مبحث طويل على النظرية النفسية التي يحاول دمجها بأخرى من الاجتماع ليخرج برؤية زاعمًا أنها له. وتبدأ النفسية كالعادة من حالة الطفل، قياس حال الإنسانية أول ظهورها بهذا الطفل، ولأنه لا يمكن وجود وثائق عن تلك الحالة الأولى منذ ملايين السنين، فإن الافتراض عندهم بأن


(١) نحو نظرية جديدة في علم الاجتماع الديني .. ، د. يوسف شلحت ص ١٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>