إلا أن الأمر على خلاف ذلك، ولاسيّما في ميدان شائك مثل علم الاجتماع ولاسيّما عندما يتعلق الأمر بالدين، فمن سوء حظ هذا العلم أن ارتبط ظهوره بفترة نزاع شديدة مع الدين، كما أنه ارتبط بمجموعة مفكرين كان موقفهم من الدين هو الإلحاد، مما يجعل هذا العلم المهم يتلوث في رؤيته ومنهجه ونظرياته بموقف عدائي ضدّ الدين.
اتسع الاهتمام بعلم الاجتماع في الغرب، وأصبح يدرس في الجامعات، وظهرت له مدارس ومذاهب، وأصبح غابة كبيرة فيها المهم والخطير، والدخول إليها محفوف بالمخاطر رغم المنافع الموجودة فيها، ومع بداية نهضتنا المعاصرة وانطلاقتنا نحو الاهتمام بالعلوم والمعارف؛ جاء علم الاجتماع في قائمة هذه العلوم المطلوبة، معتمدين في ذلك وبصورة كبيرة على النموذج الموجود في الغرب، وغلب على كل جهة من بلاد المسلمين التأثر بالمذهب الموجود في البلد الذي ابتعث إليه طلاب تلك الجهة، فنشأ عندنا علم اجتماع يعاني من تبعات نشأته الأوروبية، فتأثر الكثير بنظرياته ومناهجه، إلا أن أسوأ فئة تعاملت مع هذا العلم هي الفئة المتغربة التي وجدت فيه أداة جيدة للتعامل السلبي مع الدين، ولاسيّما إن كانوا من غير المسلمين، أو ممن اتبع مذاهب فكرية غربية ملحدة، كما هو الحال مع الماركسيين مثلًا.
ليس هدف البحث التقليل من قيمة علم الاجتماع، بل هو علم مهم إذا أحسنت أمتنا عبر المتخصصين فيه من إنشائه على قواعد سليمة، وإنما الهدف هو التحذير من الوقوع في أيدلوجيات ارتبطت به، هدفها إقصاء الدين وتكوين مجتمع دون دين أو لا يهتم بالدين، ولا شك أن الوقوف مع المتلاعبين بهذا العلم هو من خدمة هذا العلم، بحيث يُزال عنه ما ليس علمًا، ويقدم بصورة تتوافق مع هوية الأمة، ويكون عندها أقدر على الدراسة العلمية للمجتمع.
صحيح أنه أصبح لدينا الآن علم اجتماع في الجامعات والمدارس، وأصبح من مكونات مجالنا الثقافي والفكري والعلمي، وهناك علماء ومتخصصون فيه وله جمعياته ومجلّاته ومجالات نشاطه المختلفة؛ ولكنه في الغالب ما زال يعاني من التغرب، وينتمي إلى هوية أخرى أو حضارة أخرى ومجتمعات أخرى، وكأننا فتحنا أقسامًا لعلم الاجتماع الغربي بمدارسه المختلفة دون أن يكون لنا أي خصوصية في مجتمعنا، وإن كان الفرع ليس كالأصل.