للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقولون- عن أصل الأديان الوضعية مثل دور الشيطان في الانحراف بأقوام، ويُصرُّون على أنه "منتج اجتماعي"، ويبقى البحث في حدود الظواهر الاجتماعية.

يُعد كتاب الدكتور "علي النشار" من أشمل الكتب عرضًا للنظريات الاجتماعية الحديثة رغم صغر حجمه، أي: كتاب "نشأة الدين" وهو أقدمها، حيث صدر سنة (١٣٦٧ هـ -١٩٤٨ م)، وإن كان قد سُبق بظهور تيار عريض من المفكرين النصارى الذين تبنوا المذهب التطوري الداروني وفسروا من خلاله الدين -كما سبق في المبحث الأول- إلا أن المؤلف هنا يعرض جميع وجهات النظر عرضًا شاملًا وموجزًا دون إعلان موقف واضح، مع أو ضد، وإن كان لا يخلو من التسرع في التسليم ببعض نتائجهم دون تمحيص، ومن ذلك ما نجده في مقدمته، حيث بدأ البحث عن كيفية نشأة الدين في الأغوار السحيقة من تاريخ البشرية، ورغم صعوبة الوصول إليها إلا "أن الإنسانية الأولى نفسها استطاعت أن تحفظ لنا صورًا من حياتها في قبائل متعددة منتشرة في أستراليا وأمريكا وأفريقيا وآسيا" (١)، بحيث نشعر أن هذه القبائل البدائية بدياناتها العجيبة تمثل الصورة الأولى للدين، ثم يسير عشرات الصفحات مع هذه المسلمة وإن كان في آخر الكتاب يذكر: "أننا لا نستطيع أن نجزم إطلاقًا بأن تلك الأجناس المتأخرة تمثل طفولة الجنس البشري؛ فهناك آثار لم تكشف عنها بعد الأركيولوجيا القديمة خاصة بديانة العصر الحجري أو العصر الجيولوجي الرابع" (٢). إذًا يعود سبب الاهتمام بهذه القبائل المتوحشة والبدائية إلى فرضية أن ديانتهم هي أول ديانة وجدت في الأرض، بحيث ينطلق منها البحث الاجتماعي متأملًا وباحثًا في مراحل تطور الدين عنها وانقساماته وتفرعاته في الصورة التي هي عليه اليوم (٣). وهذه الدراسات تفترض أن صورة الدين عند هؤلاء هي أول صورة للدين يمكننا القول بها، ثم وقع التطور فيها إلى أن جاءت الأديان التوحيدية، ويقصدون بها اليهودية والنصرانية والإِسلام، وتندرج المسألة عمومًا ضمن الإطار السابق أن الدين منتج اجتماعي.


(١) انظر: نشأة الدين، د. علي النشار ص ٥.
(٢) المرجع السابق ص ١٤٧.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>