للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنشطة التي لا يمكن أن تفسر إلا رمزيًا. فالإله والجنة والنار والخلاص والشيطان والملائكة .. كلها معانٍ ومفاهيم دينية تأخذ شكل رموز معينة لدى من يؤمن بها. ويمكن القول كذلك: إن الحقائق الدينية التي أخذت شكل رسالات سماوية أو وحيًا عن طريق رسل معينين، هذه الحقائق عبر عنها أو ترجمت باللغة الإنسانية، واللغة ما هي إلا رموز" (١)، ومع الفوضى التي تجدها في نصوص الكاتب؛ إلا أنها بمجموعها تكشف مدى خضوعه لمقولات دوركايم على وجه التحديد، وتسليمه يكون الدين منتجًا اجتماعيًّا يُعبر عنه البشر بالرموز.

نصل في النهاية إلى أزمة من أزمات المتغربين الاجتماعيين، فبسبب التقليد الأعمى والاغتراب الذي اعترف به كثير منهم، استسلموا لمقولة "الدين منتج اجتماعي"، وبدؤوا يدرسون الإِسلام من خلالها, ولم ينتبه هؤلاء المتغربون أن هذه المقولة ارتبطت بموقف المؤسسين الملحدين للعلم من "كونت" و"ماركس" و"دوركايم" وغيرهم، فهي مقولة ليس لها علاقة بالعلم؛ وإنما لها علاقة بأيدلوجية العلماء المؤسسين للعلم، وحتى لو صحت في صور من صور الدين، فإن غلط المتغربين عدم تفريقهم بين الدين الحق وبين الدين المبدل أو المخترع، وهذا الخلط لا علاقة له بالعلم؛ وإنما له علاقة بجهل المتغربين أو بأيدلوجيتهم القائمة على النفور من الدين.

٢ - أصل الدين:

تبعًا للمسلَّمة السابقة "الدين منتج اجتماعي" بدأ علم الاجتماع يبحث عن أصله، كيف نشأ؟ وما أول صورة له؟ وما التطور الذي لحق به؟ وما واقعه الآن؟ ويصلون إلى التنبؤ أيضًا بمستقبله. ومن شبه المتفق عليه عندهم أن البحث سيكون في حدود الاجتماعي، أي: عدم الالتفات إلى فرضية تقول بأن أصله خارج المجتمع، وإن تسامحوا مع بعض الفرضيات الفلسفية التي تنظر من خلال منظور مثالي؛ فإنهم وتحت ادعاء العلمية يرفضون أي أصل في ما وراء الطبيعة يتصل بالتصور الديني، ومن ذلك عدم البحث في مسألة الدين الحق المنزل والموحى به من الرب سبحانه، وفي المقابل لا يقبلون بافتراضات دينية -كما


(١) انظر: الدين والمجتمع .. ، حسين رشوان ص ٨٠ - ٨١، مع تصرف يسير للاختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>