للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأنه لا يمكن التسليم بالوحي والرسل، ثم انطلق في سرد أقوال الغربيين حول الدين في صفحات كثيرة (١) ثم هو يقول مع ذلك: "استعرضنا في الفصول السابقة أشهر المبادئ في الديانة، وشتى النظريات في الطوطمية، مؤملين الوصول إلى حل مقنع في نشأة الدين وتطوره؛ فإذا بنا في سوق كثر فيه الأخذ والرد، وعرضت فيه بضاعات مختلفة الأجناس، متعددة الألوان، لا يعرف المرء أيها يختار، ولكن لابد له من الاختيار. ولقد خرج المتدين على المناقشة والجدال، والقيل والقال، وإيمانه وطيد بخالق العالم، وأراح نفسه وفكره من هذه المشاكل، وتبرم بالعلوم ونظرياتها، زاعمًا أنها عاجزة عن بت أمثال هذه المواضيع. أترى من الحكمة أن نأتي بنظرية جديدة في هذا الباب، بعد أن تبينت لنا صعوبة المسالك؟ أليس من السذاجة أن نتوقع لنفسنا النجاح، حيث مني بالخيبة الثقات في علم الاجتماع؟. . . ." (٢). ومع ذلك فهو يرى المواصلة في هذا الطريق، المعارض لما جاء في الدين، بحجة السير في طريق البحث العلمي.

ولنا مع هذه الشهادة -أن ننظر إلى عمق الأزمة، فمع إدراكه التام بأنه في سوق وليس في ميدان علمي حقيقي, لأن العلم لا يعرف مثل هذه الفوضى؛ ومع ذلك يُلزم نفسه بأن يختار من هذا السوق، فيحبس نفسه في متجر واحد، وهو نوع من التغرب العجيب، ولا ندري كيف يصف تلك النظريات بسوق ثم يصف المتدين بالتبرم من العلم ونظرياته، والحقيقة أن المتدين لا يتبرم بالعلم، وإنما تبرمه من هذه الفوضى التي تزعم العلمية، فالمتدين على الأقل يجد معه من الأصول ما يساعده على حسن التصور وحسن الاختيار وحسن الفهم، وهذا ما لا يجده أمثال هؤلاء ممن يعيشون هذه الأزمة، ومع ذلك يجدون أنفسهم ملزمين بالاختيار، فمن المهم أن يجد المتغربون في هذا الاعتراف الشجاع من أحد الباحثين في الحقل الاجتماعي ما يدفعهم إلى التعقل وتخفيف حدة التغرّب.

وأشارك الباحث المميز "أمزيان" رأيه حول هذه الفوضى، فبعد أن ذكر إحدى عشرة نظرية حول أصل الدين قال: "والمقصود من عرض هذا الموجز هو تأكيد الفكرة التي انطلقنا منها؛ وهي أن الجانب الميتافيزيقي لعلم الاجتماع لا


(١) انظر: نحو نظرية جديدة في علم الاجتماع الديني، د. يوسف شلحت ص ٩١ - ١٣٨.
(٢) المرجع السابق ص ١٣٩ - ١٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>