للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمكن الفصل فيه، ولا يملك علماء الاجتماع الأدوات اللازمة للخوض فيه، وهذا التعارض والتناقض هو دليل قاطع على أن علم الاجتماع ما زال مثقلًا بالآراء الميتافيزيقية والخرافية رغم العلمية التي يدعيها" (١)، ثم بين سبب حرمانهم الاقتراب من الحقيقة بأنه راجع إلى القيد الذي وضعوه، والذي يُلزم الباحث الاجتماعي بعدم قبول الوحي كموجّه للمنهجية الاجتماعية، "في حين إن الوحي وحده هو الذي يستطيع أن يقدم كشفًا كاملًا لهذه الحقائق" (٢)؛ لأن ما يبحثون فيه يدخل في إطار لا يستطيع البشر الوصول إلى نتيجة علمية مقبولة فيه؛ لأنه لا يخضع لأدوات البحث العلمي أو مناهجه، ويبقى القول فيه من باب التخمين الذي يحتاج إلى مصدر خارجي يؤكد صحته.

ومن النتائج الأيدلوجية التي ارتبطت بمبحث أصل الدين: تنبؤ الكثير ممن بحث في أصله بنهاية الدين، وتصريح بعضهم بمستقبل الإلحاد، حيث يسود عندهم ربط نشأة الدين بعدم الوعي والجهل الذي صاحب البشرية أول أمرها، ولكن مع الوعي والعلم وإدراك كيف نشأ الدين يصبح مستقبله محسومًا نحو الفناء والاختفاء. ولكن التطورات التي وقعت داخل ميدان علم الاجتماع ذاته، والواقع الذي تشهده المجتمعات المعاصرة؛ يدلان على انهيار تلك المقولة، فعلم الاجتماع مع بعض رموزه يؤكد بأن الدين وجد ليبقى، ولا يمكن تصور يوم يكون الناس فيه دون دين، كما أن واقع المجتمعات يشهد بعودة نحو الدين، بما في ذلك المجتمعات العلمانية، حتى تلك البلاد التي تبنّت النموذج الإلحادي عقيدةً رسميةً لسنين، حيث انهار نموذجها الشيوعي الإلحادي، وظهرت علامات التدين والعودة للدين في تلك البلاد.

عندها تحول علم الاجتماع إلى ميدان آخر، فترك البحث في "أصل الدين" وانتقل إلى دراسة "وظيفة الدين"، وهذا موضوع الفقرة الآتية.

٣ - وظيفة الدين:

يبحث علم الاجتماع الوظيفي في الوظائف التي تقوم بها أعضاء المجتمع،


(١) منهج البحث الاجتماعي بين الوضعية والمعيارية، محمَّد أمزيان ص ٩٤.
(٢) المرجع السابق ص ٩٤، وانظر فيه: ص ٧٨ - ٧٩، ١٨٦ - ١٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>