ذلك مصطلحات استمدها من الفلسفة وطرقًا استنبطها منها مع ما أبدعته عقول المتكلمين. وسُمي هذا العلم علم الكلام -كما يقول الشهرستاتي- لسببين: أولهما أن أخطر مسألة خاض فيها المتكلمون هي مسألة كلام الله التي تجاوز الأمر فيها حدّ المناظرة وتبادل الرأي إلى الفتنة والقتل والسجن، كما هو معروف في فتنة خلق القرآن ومواقف رجال كالإمام أحمد ابن حنبل منها. وثانيهما سبب منهجي يتمثل في أن المتكلمين أرادوا أن يميزوا مناهج أبحاثهم عن المنطق الذي تبناه الفلاسفة واستخدموه في مباحثهم الفلسفية. فسمَّى المتكلمون طريقتهم في البحث الكلام. وقد ذمّ السلف علم الكلام ليس لمطلق الكلام وإنما لما فيه من انحرافات خطيرة منها ما ورد عن مالك بن أنس، -رضي الله عنه-، من ذم لأهل البدع لأنهم خاضوا وتكلموا فيما لا ينبغي لهم الخوض أو التكلم فيه، وبالإضافة إلى الكلام فقد سمي هذا العلم باسم الفقه الأكبر، وعلم أصول الدين وعلم التوحيد والصفات وعلم النظر والاستدلال. وقد ظهرت أسباب مختلفة أشغلت طائفة من المسلمين بالبحث في قضايا عقدية بالعقل وبعيدًا عن منهج سلف الأمة، وكل طائفة تتوقف مع أصل أو أكثر يتسع مع الأيام ليصبح هذا الأصل مدار نشاط الفرقة، وقد ورد في كتب الفِرَق العديد منها، حيث تبنت رأيًا أو آخر حول قضية من هذه القضايا، كالمرجئة والقدرية والجبرية والجهمية والمعطلة والمجسمة، ثم المعتزلة والأشاعرة والماترِيديَّة، وعرفت هذه الفرق بالفرق الكلامية، وعُرف ما خاضت فيه بعلم الكلام. وفي إطار الفكر الإِسلامي نجد في البداية تمايزًا بين الفلسفة والكلام، وعلاقة عداء وخصام بين الفلاسفة والمتكلمين؛ بلغت أوجها لدى أبي حامد الغزالي (٥٠٥ هـ) الذي هاجم الفلسفة من منطلق كلامي في كتابه تهافت الفلاسفة، وكفَّر الفلاسفة لقولهم بقِدم العالم، وعدم علم الله بالجزئيات، وإنكارهم البعث الجسماني. ورغم هذا العداء فقد كان هناك نوع من التقارب بين الفلسفة والكلام، إذ حاول المتكلمون الاستفادة من أسلحة خصومهم والاطلاع على مناهج الفلسفة ومصطلحاتها، وقد كان ذلك بطريقة غير مباشرة لدى المعتزلة، ثم ظهر بوضوح لدى الجويني والغزالي، وبلغ مداه على يد فخر الدين الرازي، ثم توغل المتكلمون في الفلسفة وعلومها حتى اختلط عليهم كثير من الموضوعات والتبست مسائل الكلام بحيث لم يعد في الإمكان التمييز بين علم الكلام والفلسفة، بل يمكن القول بأن الفلسفة اختلطت بالكلام إلى الحد الذي ابتلع فيه علمُ الكلام الفلسفة ابتلاعًا، واحتواها في كتبه، كما يظهر في كتب المتأخرين مثل كتاب المواقف لعضد الدين الإيجي الذي يبدأ بمقدمات في المنطق الأرسطي على طريقة الفلاسفة ويبسط آراء الفلاسفة في