للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقام أيضًا ضمن هذا المشروع بتصنيف جديد للعلوم يُعد من أهم التصنيفات في العصر الحديث، ولكن الأهم من ذلك كلّه هو صورة "المنهج العلمي" الذي دعا إليه.

يقوم المنهج العلمي عند "بيكون" على التجريب والملاحظة، وطلب من الباحث العلمي أن يكون كالقناص الباحث عن فريسة، والقنص يقوم في ثماني عمليات منها: تنويع التجارب وإطالتها وقلبها إلى غير ذلك. وفي كتابه "الأورغانون الجديد" تحدث عن الاستقراء المناسب لتطوير العلم، وعمدته على اللوحات الثلاث: لوحة الحضور ولوحة الغياب ولوحة الدرجات، وقد أخذ بها "مل" فيما بعد في قواعده، وأضاف عليها اثنتين (١). وبعد الانتهاء من عملياته بين تلك اللوحات يقوم بعملية الاستقراء، وعمدته بأنه إذا انتفى السبب انتفى المسبب. ومما لاحظه الدارسون لبيكون أنه لم يكن له عناية بالعلوم وإبداعها بقدر ما كانت عنايته بإصلاح منهجها؛ ولذا لم يحفظ عنه شيء كبير في العلوم ولا قام بتجارب حقيقية (٢). كانت هذه أهم أدوار بيكون في العلم الحديث وسأختمها ببعض الوقفات حول بيكون وأمثاله:

١ - كانت عناية بيكون منصبّة على رسم منهج جديد يساعد في اكتشاف الجديد، والتخلص من كل المناهج القديمة، وأهم مشروعاته هي في دعوته للمنهج التجريبي في الفكر الغربي ودفاعه عنه دفاعًا حارًا، وقد ظهر في دراسات حديثة عن جهات مختلفة ما يثبت بأن المنهج التجريبي لم يكن غائبًا عن الحضارات والأمم الأخرى، وأن أفضل من أصل أصوله وأبدع شروطه وقوانينه هم علماء في البلاد الإسلامية، وأن أوروبا بدأت تتعرف على هذا المنهج منذ نهايات عصورها الوسطى.

٢ - لا يختلف بيكون عن كثير ممن عاصرهم من المفكرين في الخلط بين العناية بالعلم والاحتفاظ ببعض المفاسد المخالفة للعلم علاوة على بعض المفاسد الخلقية عند أغلبهم، وقد سبق بيان شيء من صورة المفاسد الأخلاقية


(١) انظر: موسوعة الفلسفة، السابق ١/ ٣٩٦ - ٣٩٧، وانظر: فرنسيس بيكون -آراؤه وآثاره، د. محسن جهانكيري ص ١٦٧ - ١٨٦.
(٢) انظر: تاريخ الفلسفة الحديثة، كرم ص ٤٥، وانظر: قصة الفلسفة، ديورانت ص ١٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>