للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي لا تهمنا إلا بقدر ما لها من أثر على حركة العلم وأخلاقياته، أما ما يخالف العلم فمن الأشياء الغريبة ما نجده من اعتقاده بالكيمياء القديمة -الخيمياء السحرية- وبالتنجيم وبالسحر (١)، وهي وإن وقع فيها شيء من الحظ فهي محرمة في الدين الحق ولا تتفق مع المناهج العلمية، وقد سبق مثل ذلك مع رواد أول نظرية علمية وهم علماء الفلك من ميل بعضهم إلى أبواب التنجيم.

٣ - التمهيد للفصل بين اللاهوت والعلم: فقد كان أحد أهم الدعاة لذلك؛ ولذا جُعل من رواد حركة التنوير في القرن الثاني عشر/الثامن عشر (٢)، وعادة ما يكون المقصود بالتنوير فصل الدين عن مناشط الحياة واستقلال العقل بإدارتها، وعندما نعرف شخصية بيكون نعرف بأن لدعوى الفصل أبعادًا أخرى غير القضية العلمية، وهذا يكشف بأن تلك الدعوى التي نجحت في الغرب لم تكن مبنية على قيمة منهجية وعلمية صافية، بل قد اختلط بها الهوى والميول الفاسدة البارزة عند دعاتها، وأنها مرتبطة بوضع تاريخي وصراع اجتماعي معيّن، ولا يمكن أن نجد من رجل لا يكترث بالأخلاق ولا بالدين همًّا في الإصلاح الديني أو المصالحة بين الدين والعلم أو جعل العلم في خدمة الدين.

أخيرًا فإن دور بيكون لم ينته بموته، فقد كان لفكره وللصورة التي رسمها عن العلم أثرها الكبير في الفكر الغربي الحديث، ونجد ذلك أوضح في التيار التجريبي المشهور والحسي والمادي، وذلك بحسب القسمة المشهورة في أغلب الكتب المؤرِّخة للفكر الغربي الحديث إلى: "تجريبي وعقلاني"، من أمثال: "هوبز" و"لوك" و"هيوم" و"مل" وغيرهم، بل ينتسب إليه التيار المادي الملحد الذي عرفته أوروبا في القرن الثاني عشر/الثامن عشر وما بعده، وهناك من يراه هو مؤسس الفكر الحديث لا ديكارت (٣). وقد كان لحكايته "أطلانطا الجديدة" (٤) -وهي قصة تخيلها عن مدينة يحكمها العلماء- أثر كبير في توجّه أهم مركز علمي وهو المعهد الملكي في بريطانيا للعناية بهذه العلوم.


(١) انظر: تاريخ الفلسفة الحديثة، كرم ص ٤٥.
(٢) انظر: موسوعة الفلسفة، بدوي ١/ ٣٩٨.
(٣) انظر: نقد نقد العقل العربي -نظرية العقل، جورج طرابيشي ص ١٩٦ مع هامش (٦).
(٤) انظر: قصة الفلسفة، ديورانت ص ١٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>