للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمؤمنين من مفكرين وعلماء إذْ هم في الغالب ممن يعتقد بوجود الله ولكنه لا يعترف بالنبوات والشرائع.

هكذا يتفق ديكارت مع بيكون في أهمية العناية بالمنهج، ويختلفان في رسم صورته، واتفق الناس بعدهما بأن لمقترحاتهما في إصلاح المنهج أثرًا كبيرًا في تطور العلوم وتقدمها. وبهذا نكون قد اقتربنا من آخر رموز الثورة العلمية وهو نيوتن، ومما يوصلنا إليه فقرتان نختم بهما الحديث عن ديكارت لهما علاقة بالثورة العلمية وبنيوتن:

الأولى: حول آلية الكون وقد سبق الحديث عنها مع "كبلر" و"جاليليو"، وبها قال "ديكارت" في قوانينه الخاصة بطبيعة الأجسام، وفسرها تفسيرًا ميكانيكيًا آليًا شاملًا؛ لأن الكون محكوم بقوانين لا تتغير، وهو هنا يختلف عن العالمين السابقين بأنهما يقفان عند اكتشاف القوانين. أما ديكارت فيعلل ذلك ويفسّره في ظلّ التصور العقدي الذي اعتقده؛ فهو يرى بأن الله سبحانه هو الذي خلق الوجود أو الكون، وخلقه بقوانين يتحرك بمقتضاها. وبحسب رأيه فإذا كان الله سبحانه ثابتًا وأزليًّا فإن تلك القوانين التي أوجدها لتدبير الكون بمحض إرادته وحريته هي أيضًا ثابتة وأزلية، وهذا لا ينتقص من قدرة الله سبحانه (١). وهو بهذا يتصور حركة للكون لا يمكن تغييرها عن حالها حتى من قبل موجدها، ويظهر من كلامه بأنها لن تتغير أبدًا تبعًا لما يراه في صفة الإرادة والمشيئة الأزلية الثابتة، ويظهر أنه لا يؤمن بأن الله سبحانه يفعل ما يشاء ولا يؤمن بأن أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له: كن فيكون.

وقد انتقد عليه "بسكال" قوله هذا، ورأى بأنه لم يترك لله سبحانه أي دور في العالم (٢). فهذه الآلية بهذه الصورة ترفع تدبير الله سبحانه لأمور الكون وإمساكه للسيارات بما يشاء سبحانه، وتقليبه الأمور وتصريفه لها، وتصبح الصورة العقدية الديكارتية قائمة على أنه سبحانه خلق الكون بقوانينه وتركه بعد ذلك. وإن كان يرى بأن الرب سبحانه "له القدرة دائمًا على التدخل في شؤون الكون، للتغيير في مساره، إذا ما أراد، وهو إذا كان لا يتدخل، فلأنه يريد خير


(١) انظر: ديكارت، د. مهدي ص ١٦٤.
(٢) انظر: المرجع السابق ص ١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>