للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التلسكوب الذي صنعه، وبقي أحد الأسئلة المحيرة، ولكن لماذا هي تسير بهذا الوضع وتحافظ عليه دون خلل (١)؟

عرفنا في فقرة سابقة أنه كان من آثار العناية باكتشاف القوانين ضعف العناية بالأسباب الغيبية، أصبح هناك توجه إلى الاكتفاء بالأسباب المادية المحسوسة، وهي تترسخ يومًا بعد يوم. وسبق أيضًا بأن الرؤية الإسلامية لا تتعارض مع إثبات وجود أسباب مادية خلقها الله سبحانه في مخلوقاته يؤثر بعضها في بعض، وكل شيء بتقدير الله سبحانه. أما مع هؤلاء فإن هناك فجوة بدأت تتسع مع كل مرحلة من مراحلهم، أهم معالمها هو الاكتفاء بالنظر لهذه الأسباب والافتتان بها دون البحث عن حقيقة من أوجدها أو من وراءَها، ثم كَبُر عند قطاع عريض منهم حتى جعلوها هي المتفردة بالإيجاد والخلق والتدبير مع الماديين والملحدين (٢)، وهذا لم يكن في البداية بهذه الصورة حتى مع نيوتن، إنما كان الأمر معهم بالاكتفاء على إيجاد سبب طبيعي مادي لهذه الظواهر وترك ما سواها؛ لأن ذلك ليس بمقدورهم كشفه دون أن يعني ذلك عندهم إنكاره.

وعودة للسؤال فجوابه المعهود أن ذلك راجع إلى تدبير الله سبحانه، وهو جواب أهل الأديان، وهو لا يمنع أن الله سبحانه جعل لها سننًا تسير عليها، وهذا هو ظاهر النصوص الشرعية، أو أن الله جعل لها ملائكة تُسيّرها، فإنه ما من مخلوق إلا وجعل الله له ملكًا يدبره، وكان هناك أقوال فلسفية وضلالات بشرية تعارض ما جاء عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثل القول بالعقول المسيرة للكواكب، فهذه الأمور منها ما هو حق إلا أنه ناقص أو محرف، ومنها ما هو باطل معروف البطلان (٣)، والحق منه لا يمنع وجود أسباب جعلها الله سبحانه في مخلوقاته تكون سببًا في حركات بعضها.

ولكن مع الاتجاه الفكري والعلمي الجديد ظهرت دعوة إلى إغفال الحديث عن القضايا الغيبية مثل ما ثبت في الأديان أو ما عرف في الميتافيزيقا من نظريات فلسفية، والاكتفاء فقط بعللٍ مادية طبيعية مشاهدة، وكان أبرز من أسس


(١) انظر: مدخل إلى فلسفة العلوم، الجابري ص ٢٦٩ - ٢٧٠.
(٢) انظر: مذاهب فكرية معاصرة، محمد قطب ص ٥٢١.
(٣) انظر: نقض المنطق، شيخ الإسلام ابن تيمية ص ٩٩ - ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>