للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أنه تكلفٌ لا مبرر له، وادعاء أمر من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، فنحن نؤمن بهذا الحدث ولكننا لا نعلم التفاصيل الغيبية فيه إلا ما ورد في الوحي.

والأمر العجب هو فرار هؤلاء من الإيمان بقدرة الله سبحانه على إحداث هذه الأمور، وحرصهم على التعليل الطبيعي لمثل هذه الأحداث، مع أن الأعجب من كل هذه الأمور هو وجود الكون كله، فإيجاد الكون والعالم أعظم بكثير من حدث الطوفان في جزء صغير من مخلوقاته، والله سبحانه قد أكثر من الاستدلال على منكري البعث بإيجاد المخلوقات الكونية وبخلق الإنسان، وهذا الدليل الذي كثر وروده في القرآن هو دليل مناسب أيضًا على هذه المسألة؛ فإن من أوجد الكون بعوالمه العجيبة أقدر -وكلها عنده سواء- على مثل هذه الآيات، سبحانه.

ومع ما نراه من ضبابية حول اعتقاده فإن من المؤكد أنه لم ينف الدين الذي عرفه بين قومه، بل يرى أن ما عنده يدعم الدين، في المقابل نجد تيارات ذات أهداف مشبوهة وظّفت نظرياته واكتشافاته ومنهجه في صراعها مع الدين مدّعية بأن علم نيوتن يدعم الموقف الإلحادي، ومن أشهرها الاتجاه المادي بكل تياراته، وتظهر هنا النقطة الفاصلة بين النظرية العلمية وفكر صاحبها وبين استثمارها في خدمة رغبات وأهواء أطراف أخرى. والعجيب أن صاحب النظرية لا يرى في نظريته ما يدعو إلى الإلحاد والمادية، ويصر أصحاب التيار المادي على استثمارها في باب لم يقله صاحبها.

وبعكس ما سبق في الفيزياء الكلاسيكية -فيزياء نيوتن- نجد صورة مغايرة في الفيزياء المعاصرة، فهي فيزياء تنتسب للمدنية العلمانية وترعرعت مع الماديين، وكان الأصل فيها أن تتوجّه لخدمة الاتجاهات المادية؛ إلا أن الأمر انقلب رأسًا على عقب، فظهرت تيارات فكرية ترى بأن الفيزياء المعاصرة تعد صفعة موجعة للتيارات المادية الملحدة، وأنها لا تتعارض مع أصول دينية بل العكس فهي تؤيد قضايا الدين (١). وهو تقابل غريب وعجيب، يحتاج منا إلى عناية خاصة؛ إذ فيه عدّة دلالات يهمّ منها طريقة توظيف النظرية وفهمها في خارج إطارها.


(١) انظر: الحديث الآتي آخر هذا الفصل عن نظريات الفيزياء وأثرها في القرن الرابع عشر الهجري/ العشرين الميلادي ص ٢٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>