للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموجود داخلها أم أنه قد حدث له تغير (١).

لقد قام أحد علماء الفيزياء -هيزنبرج- بالتفرغ لهذا الجسيم العنيد، فحاول "بتجاربه ملاحظة موضع الإلكترون وسرعته واتجاهه بأدق ما لديه من مكبرات"، ومما وجده أن تحديد مسار إلكترون واحد وسرعته واتجاهه يعد جهدًا ضائعًا، ولا ترجع المشكلة "إلى نقص في آلات العلم، وإنما إلى طبيعة الإلكترون. ولكي يثبت ذلك افترض أن مكبرًا خياليًا قادر على تكبير الإلكترون إلى قدر قطره بمائة بليون مرة حتى نستطيع رؤيته". فتظهر هنا صعوبة أخرى، إذ حتى نراه فنحن في حاجة إلى أشعة قوية، ولكن هذه الأشعة ستزيله من مكانه. فإن استطعنا تكبيره لهذه الدرجة وهي خيالية فلن نستطيع رؤيته؛ لأن الأشعة التي ستمكننا من رؤيته ستقتلعه من مكانه، وبحسب تشبيه البعض فإن ذلك كمن يريد اصطياد عصفور بمدفع عملاق.

وصل "هيزنبرج" بعد كل ذلك إلى مبدأ اللايقين الذي يقول فيه -بعد ملاحظات طويلة وحسابات دقيقة-: "إن من المستحيل من حيث المبدأ أن ترصد موضع الإلكترون وسرعة حركته واتجاهها بدقة متناهية في الوقت نفسه. يمكنك فقط أن تحدد بدقة متناهية موضع الإلكترون، وحينئذ لا نستطيع تحديد سرعته واتجاهها بنفس الدقة، أو يمكنك تحديد سرعته واتجاهها بكل دقة، وحينئذ لا تستطيع تحديد موضعه المكاني" (٢).

ومن الأمور المدهشة حول هذا الكائن المحير اختلاف علماء الفيزياء حوله، هل هو من طبيعة موجية يشبه في ذلك أمواج البحر أم هو من طبيعة جسيمية كحبات الرمل! إننا نسمع ونقرأ عن موجات تسبح في الفضاء باختلاف أطوالها من قصيرة ومتوسطة وطويلة، فهل هي موجات تشبه موجة البحر من


(١) انظر: الفيزياء والفلسفة، جينز ص ٢٠٩، وانظر: من نظريات العلم المعاصر إلى المواقف الفلسفية، زيدان ص ٢٠.
(٢) انظر: من نظريات العلم المعاصر إلى المواقف الفلسفية، زيدان ص ٢٨ - ٢٩، وانظر: أينشتين والنسبية، مصطفى محمود ص ٢٩ - ٣٠، وانظر: فلسفة العلوم، بدوي ص ٢٣٧، العالم بين العلم والفلسفة، جاسم العلوي ص ١٢٠، وانظر: أفي الله شك؟، د. حمد المرزوقي ص ٤٩ - ٥٢، وما بين الأقواس عن زيدان.

<<  <  ج: ص:  >  >>