للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لحظة انطلاقها إلى منطقة استقبالها أم هي تنطلق على شكل جسيمات وحبات؟

إنها من المسائل الشائكة وذات أبعاد مؤثرة خارج دائرتها العلمية كما سنرى. فإذا نظر العلماء إلى الضوء أو الإلكترون وجدوا فيهما ما يدل على أنهما من طبيعة موجية وفيهما أيضًا ما يدل على أنهما من طبيعة جسيمية، فانقسموا تبعًا لذلك إلى مدرستين، وكل مدرسة بنت رأيها على استدلالات، أما إدراك حقيقة الضوء أو الإلكترون فغير ممكنة تمامًا طالما أن الرؤية لهما مستحيلة، مما حدا بالبعض إلى القول بعدم وجود الإلكترون واقعيًا، وأنه مجرد تصور رياضي مفيد، ومن ثمّ ينتقلون إلى الوظائف الممكنة لهذا التصور الرياضي المفيد (١). وهناك تيار ثالث حاول الجمع بين الأمرين، فقال: إنهما من طبيعة موجية، وفي الوقت نفسه جسيمية، وهو مما يزيد الحيرة حول الموضوع (٢).

وعجائب هذا الكائن المدهش الإلكترون كثيرة، وما وقفت إلا مع ما له صلة بحركة الفكر المعاصر لنرى، كيف كان لمثل هذا الكشف والنظرية من آثار، مع العلم بوجود أمرٍ آخر يدفعني لمواصلة الحديث عنه؛ وهو أن الصحيح من هذه المعلومات يدفع بالعاقل إلى النظر في ملكوت الله سبحانه والتفكر في مخلوقاته، وذلك جزء من العبودية التي حثنا عليها ربنا سبحانه في مواطن كثيرة من كتابه الكريم. وهذا النظر والتفكر هو أنفع للقلب في الدنيا والآخرة إذا قاد صاحبه للإيمان به سبحانه. وهذا أمر ينقص الكتابات العلمية والفكرية حول هذا الموضوع وأمثاله، فهي تبقى سابحة في عالم الأرقام والفرضيات والملاحظات الجامدة دون أن يدفعها ذلك إلى إيقاظ القلب، فتفتح له نوافذ أخرى نحو الإيمان بالله سبحانه وتحقيق عبوديته، وإذا لم يكن هذا الهدف بارزًا في الدراسات العقدية فستكون فائدتها ناقصة.

بعد هذه الرحلة في عالم الإلكترون نرجع إلى القضيتين اللتين تسبب الإلكترون بإثارة النقاش حولهما، وكذا نظرية الكم وميكانيكا الكم القائمة على دراسته.


(١) انظر: فلسفة العلوم، بدوي ص ٢٢٨ - ٢٣٠.
(٢) انظر: من نظريات العلم المعاصر إلى المواقف الفلسفية، زيدان ص ٢٦ - ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>