للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفلسفية وفق مقتضيات العلم. وترجع جذورها القريبة إلى حلقة فيينّا، وقد كان "ماخ" في مقام الأب الحقيقي للحلقة. وقد ضمّت مجموعة كبيرة من الباحثين في مختلف فروع العلم والفلسفة، وأعلنت ميلادها بالبيان الذي أصدرته عام (١٩٢٩ م) بعنوان "فهم علمي للعالم" بقيادة "موريتز شيلك" (١٨٨٢ - ١٩٣٦ م) (١)، ومن بين رموزها منظِّرها المشهور "كارنابّ" وصديقهم من مدرسة برلين "ريشنباخ".

استفادت المدرسة من "ماخ"، ومن نقد "بوانكاريه" الذي يرى بأن النظريات العلمية ما هي إلا اتفاقات، ولكنهم في الوقت نفسه يريدون المحافظة على إرث التيار التجريبي الذي يعتمد على الحس والتجربة (٢). ويمكن التفريق بين التيار الواقعي والتجريبي القديم وبين الوضعية المنطقية الحريصة على مواصلة رؤاه، بأن الأول كان يرى التطابق بين حقيقة النظرية والواقع، أما الوضعية المنطقية فبتأثير ماخ وبوانكاريه تنزع منزعًا اسميًا، فالنظرية هي أداة اصطلاحية للتعبير عن الواقع ولكنها ليست الواقع، ولكن في الوقت نفسه فلابد من علاقة بين النظرية والواقع تجعل بأيدينا طريقة للتحقق من المعرفة، فجاءت بذلك أهم الإشكاليات التي حاولت الوضعية معالجتها دون أن تنجح وهي: كيف نستطيع التحقق من صدق المعرفة العلمية؟

ويعد هذا الموقف من ضمن موضوعات فلسفة العلم، وهو موطن صراع كبير بين تيارات الفكر الغربي وإن كان لا يصل إلى درجة موقفهم من غير هذه المعرفة المقرونة بالتجربة سواء كانت دينية أو ميتافيزيقية أو مثالية. فما يُسمى علمًا هو إما "الرياضي والمنطقي" الذي هو تحصيل حاصل أو "الطبيعي التجريبي والحسي" الذي يعتمد على التجريب والاستقراء والإحصاء في الوصول إلى نتائج جديدة، وما لا يدخل في هذين القسمين فليس علمًا وإنما هو كلام فارغ. ومن بين أشهر الأمثلة المضروبة لديهم هو كلمة "الله" التي هي غاية الديانات ونهاية


(١) انظر: رودولف كارناب. نهاية الوضعية المنطقية، وداد الحاج ص ٣٩ - ٥١، وانظر: الفلسفة المعاصرة في أوروبا، بوشنسكي ص ٩٣ - ٩٤، وأغلب المهمين فيها من الألمان كما ذكر، وبهذا تكون ألمانيا أهم موطن لفلسفة العلم في القرن العشرين.
(٢) انظر: كتاب وداد الحاج السابق ص ١٦١ - ١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>