للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلد علماني كفرنسا, ولكني أريد أن أؤكد منذ البداية بأن الإيمان لا يتعارض إطلاقًا مع العقلانية، وذلك لأن الحقيقة واحدة في جميع الحالات" (١)، إن مثل هذا الاعتراف يدعونا أن نبدأ بالقصة من أولها وذلك مع نظريات القرن الرابع عشر/ العشرين.

تُعد الفيزياء من أبرز العلوم الطبيعية تطورا وشهرة، وقد بلغت مع نيوتن ذروة عالية لم يصلها علم من العلوم الطبيعية، وقد كان الظن منتصف القرن التاسع عشر (١٣ هـ) بأنها قد قدمت كل أجوبتها، فجاءت مذاهب مادية وبنت بعض أصلب انحرافاتها على فيزياء نيوتن كالإلحاد والمادية. فجاءت صدمة لهؤلاء من داخل الفيزياء ذاتها مع نظريتي النسبية والكم؛ عندها أعاد العلماء نظرهم إلى الفيزياء وبقية العلوم، وقد كان أهم ما تزعزع: السند المادي الذي كان يدعم التيار الإلحادي والمادي.

وقد رفض مؤسسا النظريتين التصريح بالإلحاد، وأغلب أجوبتهم تدل على أنهم يرون استحالة تصور عالم بهذه الحال دون من أبدعه وأوجد فيه هذا النظام. ورغم أن صاحب النسبية أصله يهودي وصاحب الكوانتم أصله نصراني؛ إلا أنهما يتفقان على عدم قبول الصورة الموجودة للديانتين، ولكنهما في الوقت نفسه ضدّ فكرة الإلحاد، ومما يقوله مؤسس نظرية الكم بلانك: "إن الدين والعلوم الطبيعية يقاتلان معًا في معركة مشتركة ضدّ الشك والجحود والخرافة. ولقد كانت الصيحة الجامعة في هذه الحرب وسوف تكون دائما: إلى الله" (٢)، وأما "أينشتين" فقد سبق بيان موقفه.

وبتتابع ظهور جهود نقاد العلم في وقت يعاني المجتمع الغربي من خواء وفراغ روحي كبير وجد أكثر العلماء وغيرهم بأن الدعوة للإلحاد باسم العلم دعوى ذهب وقتها وبأن فسادها وأصبح العلم ضدّها. فظهرت عند ذلك دعوات من جديد إلى المصالحة بين الدين والعلم، على أن تقوم الكنيسة بالتنازل عن بعض ما يتعارض مع العلم، ويتوقف العلماء عن استثمار نتائجهم في دعم المادية والإلحاد.


(١) العلم والإيمان في الغرب الحديث ص ٣٥، والمتكلم "جان دورست" عالم بيولوجيا.
(٢) الله يتجلى في عصر العلم ص ١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>