للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبدأت موجة من التدين -بحسب مفهومهم للتدين- تغزو العلماء، ويجدون فيه راحة كبيرة وخروجًا من أزمتهم الروحية، على أن منهم من يرى فيه دعمًا لنشاطهم العلمي، وقد كانت بارزة في علماء الطبيعة، وهو نفس المجال الذي ظهر منه الإلحاد في القرن الماضي، وفي هذا يقول أحد الفيزيائيين بعد نشره كتابه: "الله والفيزياء الحديثة" بأنه قد دهش "عندما اكتشف أن كثيرًا من علماء الطبيعة يؤمنون بالله ومتدينون. بل حتى العلماء الذين لا يؤمنون. . . . يقولون بأنهم يشعرون بشعور غامض بأن هناك شيئًا ما" (١)، ويقول عالم الطبيعة جورج إيرل: "إن الاعتقاد الشائع بأن الإلحاد منتشر بين رجال العلوم أكثر من انتشاره بين غيرهم، لا يقوم على صحته دليل، بل إنه يتعارض مع ما نلاحظه فعلًا من شيوع الإيمان بين جمهرة المشتغلين بالعلوم" (٢). ويقول آخر في ردّه على اعتقاد البعض بأن المشتغلين في العلوم ملحدون، فأجابه: "إنني لا أعتقد أن هذا القول صحيح، بل إنني -على نقيض ذلك- وجدت في قراءتي ومناقشتي أن معظم من اشتغلوا في ميدان العلوم من العباقرة لم يكونوا ملحدين، ولكن الناس أساؤوا نقل أحاديثهم أو أساؤوا فهمهم"، ثم استطرد في بيان أن الإلحاد يتعارض مع منهجية العلماء (٣). وقد كانت هذه الاعترافات مع غيرها -لثلاثين عالمًا- تدندن حول الموضوع ذاته معتبرة الإلحاد قد ولّى، وأنه لا تعارض بين العلم والإيمان, وأن المستقبل للتصالح بينهما، وأن الإلحاد لا علاقة له بالعلم؛ وإنما هو موقف فكري يستغلّ ثمرات العلم.

كانت المجموعة السابقة معبرة عن المشتغلين بالعلم في أمريكا، ونجد في أوروبا الوضع نفسه، حيث جمع المؤرخ الفرنسي "جان ديليمو مؤخرًا شهادات العلماء الكبار الذين أعلنوا التوافق بين العلم والإيمان, وقالوا بأن تخصصهم العلمي الدقيق لا يتعارض مع الإيمان بالله، على العكس فإنه يزيد منه ويقويه" (٤)، فجمع فيه شهادة تسعة عشر عالمًا من أجل البرهنة على أن العلم لا يتناقض مع الإيمان. وهم ينتمون إلى اختصاصات متعددة، ومن الدرجة الأولى،


(١) حبات المعرفة، د. محمَّد التكريتي ص ٣٤، وصاحب المقالة "د. بول ديقيز".
(٢) الله يتجلى في عصر العلم ص ٤٥.
(٣) المرجع السابق ص ١٥٦، وصاحب الكلام العالم الطبيعي والفسيولوجي "أندرو كونو".
(٤) العلم والإيمان في الغرب الحديث، هاشم صالح ص ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>