للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له مع فلاسفتهم المحدثين كديكارت وبيكون وغيرهما فإن المذاهب اللاحقة قد رفضت هذه الازدواجية، وأخذت بموقف واحد هو الموقف الرافض للحقائق الدينية والقبول فقط بالعقلية والعلمية.

والموقف الرابع، وهو الموقف الذي أُعجب به كثير من علمائهم هو القول برمزية ومجازية اللغة الدينية، والذي يظهر أن من بين أهم الأسباب لإعجاب العلماء به هو أن عقولهم وفطرتهم تنفر من القول الإلحادي والمادي لأصحاب الموقف الأحادي المادي الرافض لوجود حقيقتين، فهؤلاء العلماء يجدون الاعتراف بوجود الرب سبحانه وعنايته بهداية البشرية أمرًا لا يمكن إنكاره، ولكنهم يجدون موضوعات ما يعرفونه من دينهم تتعارض مع ما بين أيديهم من علوم، فوجدوا في القول بمجازية اللغة خروجًا من الإنكار التام للدين، لذا رحب الكثير منهم بالموقف العصراني لرجال الكنيسة المتمثل في اعتبار النصوص الدينية نصوصًا مجازية ورمزية، ويُفتح الباب في فهمها لكل من أراد بحسب تجاربه الشعورية، أو يتم تأويلها بما يجعلها متفقة مع العلوم الحديثة والفكر الحديث. يقول أحد علماء الفلك المعاصرين "جان دولهاي" معبرًا عن موقف بعض العلماء: "فإن الصدام الذي حصل بين رجال الدين والعلماء قد تم تطويقه الآن بعد التجديد اللاهوتي، الذي أدخلوه على الدين المسيحي لكي يتصالح مع العصر والحداثة. . وهذا من أهم الأحداث التي حصلت في هذا القرن دون أن يشعر بها أحد. . وذلك لأنه أدى إلى المصالحة بين العلم والإيمان. . وهي مصالحة تاريخية ذات أهمية قصوى"، إلى أن قال: "لقد أصبحت الكنيسة تعترف الآن بأن حقائق العلوم الفيزيائية والكيميائية ليست موجودة في التوراة والأناجيل، وإنما في المخابر العلمية. . فالكتب المقدسة هي كتب دينية بالدرجة الأولى، وليس همها أن تحتوي على معادلات الفيزياء والكيمياء والرياضيات؛ وإنما على التوجيه والهدي الإلهي. . وقد أمرنا الله بأن نعرف الكون ونستكشف قوانينه عن طريق آخر: عن طريق العلم. ." (١). وهذا العالم هو الذي يقول أيضًا: "وينبغي بالتالي أن نعيد تأويل النصوص الدينية لكيلا تتعارض مع النظريات العلمية التي ثبتت صحتها. . . ." (٢)، وبقدر ما يوحي كلامه باحترامه لنصه الديني في وقت لا


(١) العلم والإيمان في الغرب الحديث، هاشم صالح ص ٣٢، ٣٣، وهو من علماء الفلك.
(٢) المرجع السابق ص ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>