للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخرى، إلا أنه من المؤكد بأن المذاهب المادية قد ضعف شأنها في أوروبا بعد نجاح الفلسفات العقلية المثالية أو اعتناقها فيما بعد للنصرانية.

غالبًا ما يميز أصحابها المعاصرون بين مراحل تاريخيه لها، منها ما ذكره "روجيه غارودي" بأن للفكر المادي أربع مراحل (١)، وهي باختصار:

كانت الأولى في المادية اليونانية القديمة التي ترى بأن المادة هي الحقيقة الثابتة والجوهر الوحيد والمدبرة لكل شيء. ثم جاءت المرحلة الثانية -بعد الثورة العلمية- في القرنين الحادي عشر/ السابع عشر والثاني عشر/ الثامن عشر، وكان أهم ممثل لها "التيار المادي الفرنسي" الذي اشتهر كممثل لعصر التنوير من أمثال "ديدرو" و"دولباخ" و"لامتري" و"هيلفيتيوس" في القرن الثاني عشر/ الثامن عشر، وقد تميزوا عن أصحابهم في القرن الحادي عشر/ السابع عشر بالانفتاح على الجمهور (٢)، وبنشرهم الفكر المادي بلغة سهلة وجذابة يتشرّبها أكثر الناس، ولعبت صالونات الماديين دورًا كبيرًا في عملية النشر كأبرز وسيلة إعلامية ودعائية في تلك المرحلة كان أشهرها صالون "دولباخ" -هولباخ- الألماني والمقيم في باريس. وقد كانت "موسوعة ديدرو"، وكتاب "الآلة الإنسانية" لـ"لامتري"، وكتاب "نظام الطبيعة" لـ"دولباخ"، أشبه بالأناجيل الجديدة للتيار المادي، وتعد المرجع المهم للمادية آنذاك. وتبعهم فيما بعد أحد أهم رموز هذه المرحلة الفيلسوف المادي الألماني فيورباخ الذي تجمّع في فكره الإلحادي أغلب خلاصات الفكر المادي، وبقدر ما جعل مهمته الدعوة للإله الجديد "المادية" بقدر ما "اعتبر نقد الدين أجلّ قضية يكرس لها حياته" (٣)، ليؤصل رؤية جديدة لحركة الماديين؛ إذ لا يكفي إعلان المادية كدين جديد والدعوة لها، وإنما لابد من تحطيم الأديان. ومما يُلحظ بأن ألمانيا قد أخرجت كبار الملاحدة في العصر الحديث من دولباخ إلى ماركس ونيتشه.

ثم كانت المرحلة الثالثة بحسب تقسيم "غارودي" هي مادية الثوريين


(١) انظر: النظرية المادية في المعرفة، روجيه غارودي ص ٦٨، ترجمة محمد عيتاني، وانظر: تمهيد للفلسفة، د. محمود زقزوق ص ١٧٣.
(٢) انظر: موجز تاريخ الفلسفة، جماعة من الأساتذة السوفيات ص ٢٠٧، ترجمة وتقديم د. توفيق سلوم.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ٣٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>