الديمقراطيين الروس وما حولها، ومن أشهرهم "تشيرنيشيفسكي"، فقد طوروا "التقاليد المادية والإلحادية والديالكتيكية في روسيا"(١)، وربما كانوا الطليعة التي هيأت روسيا لتكون فيما بعد موطن أهم دولة تتبنى الفكر المادي الإلحادي الصرف.
أما المرحلة الرابعة -وهي الأشهر- فهي "الماركسية المادية الجدلية/ الديالكتيكية" التي أسسها "ماركس" في الأساس وبمشاركة صديقه "إنجلز"، لتصبح بعدهما أهم مذاهب القرن التاسع عشر وأغلب الرابع عشر/ العشرين، صاحبها في الوقت نفسه مذهب مادي يتشارك مع الماركسية في الطابع المادي وهو المذهب الداروني المنتسب للعلم، وتتميز الأخيرة عن المراحل الثلاث عند أصحابها كما يزعمون بأنها الوحيدة التي توصلت إلى مفهوم علمي للديالكتيك (الجدل)، فتحولت المادية كما يقولون بذلك الاكتشاف من مذهب فلسفي إلى مذهب علمي، فيقرنون ماديتهم بالعلم، بل هي العلمية الوحيدة.
لقد كان لكل مرحلة من مراحل تطور المذهب المادي صورة معينة للعلاقة مع العلوم الطبيعية؛ لاسيّما وأغلب تلك العلوم موضوعها المادة، وهذه العلاقة منها ما هو اشتغال بهذه العلوم وتطويرها وهو ما لا نقصده في هذا البحث، ومنها ما كان مفسدًا لصفاء تلك العلوم ونقائها حيث لعب المعتقد الإلحادي للمذهب المادي دورًا بارزًا في الانحراف بمسيرة العلم وتوجيه العلوم في غير بابها. فمن الطبيعي عناية المذهب المادي بالعلوم المادية لأنها تخدم معبوده؛ إلا أن الاعتقاد الإلحادي لهذا التيار قد صرف عنايته بتلك العلوم -ولو على مستوى الادعاء وهو الغالب- إلى ما يخدم ذلك الاعتقاد الإلحادي. فوظف المذهب المادي العلمَ بصورة كبيرة في خدمة الإلحاد، وأظهر ارتباطًا حتميًا مزعومًا بين التقدم بالعلم وبين دعم صحة الموقف الإلحادي، فشوّه بذلك حقيقة العلم، وتأثر بذلك الكثير بمن فيهم بعض العلماء المنشغلين بهذه العلوم لدرجة أن انتشر تصورٌ في المجتمعات الغربية مفاده بأن العالِم لابد أن يكون ملحدًا، وكثرة وصايا بعض العجائز لأبنائهم محذرة من هذه العلوم لما تورثه من الإلحاد، ومن رأوه مشتغلًا بها غسلوا أيديهم من إيمانه بمعتقداتهم أو