للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الروحية" (١). ومما يلفت النظر في الكلام السابق بأن العلم لم يعد يوصف بالمادية بل أصبح يوصف بالإلحادية، فأصبح هناك علم إلحادي أو إلحاد علمي، فالعلم من جهة ينتج عنه الإلحاد ويوظف أيضًا لخدمة الإلحاد. ولا شك أن العلم الذي يتصورونه والموروث خاصة عن داروين وأمثاله، هو مما قد يستغلّ في الإلحاد، أما العلم الصلب والصحيح فما عُرف عن أهله مثل هذا الزعم بمن فيهم نيوتن الذي بنوا ماديتهم على طبيعياته؛ لأنه لا يرى رأيهم.

ونحن عندما نعرض لمثل هذه الأمور نتذكر دعوى يرددها رواد التغريب العربي مفادها بأن العلم أمره واضح وبيّن، ولا يمكن لأحد التلاعب به أو أن يحرفه عن مساره أو أنه يقبل التوظيف الخبيث ضدّ الدين، ولكننا نرى مع أحد أهم مذاهب الفكر الغربي شهرة ذلك التوظيف الخبيث للعلم بما يخدم الإلحاد بعيدًا عن مجال منافعه الخاصة، وفي الوقت نفسه قاموا بدور كبير في ملء الجانب المعنوي منه بكل القيم المادية والإلحادية، كما رأينا مثلًا في موقف الأطراف المختلفة من القوانين العلمية، فالقانون العلمي قد قبله الجميع لكن هناك من يضيف على صورته التفسيرية للوقائع المادية إضافات آيديولوجية ومذهبية من مثل القول بأن هذه القوانين تؤكد عدم الحاجة لتدبير الخالق سبحانه، أو أن القوانين العلمية دلّت على عدم وجوده أصلًا، أو غير ذلك من الدعاوى الإلحادية، مع أنهم يرون عدم خروجهم بهذه الدعاوى عن دائرة العلم. وهذه الحال تؤكد بأن الواجب الملقى على الأمة المسلمة في عصرها الحديث أكبر من إرسال البعثات لدراسة تلك العلوم وتلقيها والعودة بها إلى بلادهم؛ لأن هذه العلوم قد ملئت بمواد غير علمية، ووظفت في صراعات فكرية ضخمة، ولم تسلم من آثارها إلى الآن، وتبرز هنا قيمة التمحيص والأخذ العاقل لمثل هذه العلوم والتحليل النقدي لها، وإعادة النظر في مشروعات أسلمة العلوم.

كيف يمكن لمثل هذه العلوم أن تكون صافية وقد دخلت كل هذه الصراعات، واستثمرها مثل هؤلاء وحاولوا توجيهها لهدم الأديان والدعوة للإلحاد، انظر مثلًا إلى المهام الملحة التي صاغها "لينين" عام (١٩٢٢ م) واجبًا عمليًّا يجب على كل الماديين القيام به: "التعاون الماركسي مع كل الماديين


(١) المرجع السابق ص ٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>