للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوروبا النصرانية وتعرفت على اليهودية، إلا أنها لم تعرف في تاريخها مثل هذا النقد الذي قدمه إسبينوزا.

ومن المفيد هنا أن نتذكر بأن ما أصاب فيه "إسبينوزا" لم يكن مجهولًا في البلاد الإسلامية؛ فإن أسرته قد كانت من أهل الأندلس، وكتاب "الفصل" لـ"ابن حزم" بنقده التاريخي، مما هو مبثوث في فضاء الأندلس الثقافي والعلمي (١)، وقد كان ذلك النقد وغيره مما يعرفه اليهود، وربما تناقله بعضهم وكوّن ذلك منطلقًا مهما للعمل الذي حققه إسبينوزا بعد إضافة المنهج الديكارتي عليه.

هذا ويُعد "إسبينوزا" أحد الديكارتيين الكبار نسبة إلى "ديكارت" أحد أشهر صانعي الخط المنهجي في الفكر الغربي الحديث (٢)، إلا أن ما أضافه على أستاذه ديكارت، وبقي ذلك ممتدًا إلى عصرنا الحاضر مذهبه في وحدة الوجود، والذي يرى فيه بأن الطبيعة هي الجوهر الوحيد، إلا أن هناك طبيعة طابعة خالقة وطبيعة مطبوعة مخلوقة، والطبيعة علّة ذاتها لا تفتقر في وجودها إلى كائن آخر، وبهذا يحلّ الإله في الطبيعة (٣). وهذا الاعتقاد بوحدة الوجود نراه في بعض علماء أوروبا المعاصرين كعالم الفيزياء اليهودي إينشتين (٤) الذي يعيد صلته باسبينوزا، وكذا نجده مع عالم النفس اليهودي فرويد. وكأن اليهود قد وجدوا لهم مرجعية يهودية كبيرة داخل الفكر الغربي الحديث ينتسبون إليها.


(١) ممن ألمح لذلك الدكتور سفر الحوالي في مقال له بمجلة "البيان" بعنوان: مقدمة في تطور الفكر الغربي والحداثة، عدد محرم (١٩٨) (١٤٢٥ هـ)، ومن بين أهم الكتب الإِسلامية في الموضوع كتاب: الفصل لابن حزم، والجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية، وهي أقدم بكثير من عمل إسبينوزا.
(٢) انظر: الفصل الأول، ويعد أحد أشهر دعاة وحدة الوجود، فقد قال بأن الجوهر الفرد الموجود في جميع الأشياء هو (الله) وعرّف هويته بالطبيعة، وهذه الحلولية قد عُرفت سابقًا مع أحد رموز الحركة الفكرية والعلمية الحديثة وهو "برونو" ثم جددها "إسبينوزا" وزاوج بينها وبين المذهب الميكانيكي الجديد، انظر: تاريخ الفكر الأوروبي الحديث، سترومبرج ص ٨٠، ترجمة أحمد الشيباني.
(٣) انظر: موجز تاريخ الفلسفة، لجماعة من السوفيات وترجمة د. توفيق سلوم ص ١٧١، وانظر: مذهب إسبينوزا في الطبيعة الطابعة والمطبوعة، كتاب: جورج طرابيشي: نقد نقد العقل العربي، نظرية العقل ص ٢٠٨ وما بعدها.
(٤) انظر: رؤية أينشتين لليهودية ودولة اليهود، د. عفيف فراج ص ٢٨ وما بعدها، أما فرويد فسيأتي آخر هذا المبحث.

<<  <  ج: ص:  >  >>