للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد مثلت صورة "إسبينوزا" في المخيلة اليهودية الحديثة مرجعية للثورة ونبذ الماضي والدعوة للإلحاد، وتجاوز أثره إلى الفكر الغربي الحديث عمومًا، وحوّل إسبينوزا اليهود من أقلية لا شأن لها في مجال الفلسفة والفكر إلى أقلية فاعلة فكريًا، إلا أن هناك عائقًا يمنع تواصل اليهود مع غيرهم، تمثل من جهة في حرص اليهود على الاستقلال الذاتي في مجمعات خاصة بهم، وفي الوقت نفسه كانت أوروبا تبغض اليهود وتحتقرهم وتقصيهم؛ بسبب بعض أعمالهم وأخلاقهم فزاد ذلك من عزلتهم الذاتية والشعورية، إلى أن جاء موسى بن مندلسون بدعوته لفك هذه العزلة.

٢ - الحدث الثاني: دور الإصلاحيين أو المجددين "موسى مندلسون" (١٧٢٩ - ١٧٨٦ م):

ترتبط حركة الإصلاحيين بحركة قديمة تتمثل في التصوف اليهودي "الحسيديم" التي انتعشت في أوروبا "منتصف القرن الثامن عشر على يد حاخامين من المتبحرين في الطرق الصوفية السرية الباطنية "القبالة". .". وفي هذا الوقت ومع التحولات الكبيرة في العلم والفكر في أوروبا بدأ بعض الشباب اليهودي يأخذ نصيبه من العلوم الحديثة والأفكار الجديدة، ليكونوا تيارًا جديدًا أطلق عليه "الهسكالاه" أي التفهم واليقظة والنهضة. ومن داخل الهسكالاه انبثقت حركة الإصلاحيين على يد "موسى مندلسون" وكان من بين آرائه التي أسهمت في دمج بعض اليهود بالمجتمع الأوروبي: يجب على اليهود الاندماج والخروج من الجيتو، فكن يهوديًا في بيتك وإنسانًا خارج بيتك، وعُدَّ نفسك مواطنًا في البلد الذي تعيش فيه، وتحدث بلغة ذلك البلد (١) وقد قام أتباعه ومريدوه بتغييرات كثيرة على الشرائع والطقوس القديمة، لكي يعطوا للدين اليهودي صورة إنسانية ووطنية تساعدهم في الاندماج بغيرهم (٢).

ومع أن هذه الدعوة نجحت في دمج طوائف من اليهود باللحمة الغربية، إلا أن انتماءَها للفكر الباطني الصوفي جعل منهم فئة أقرب للإلحاد والزندقة


(١) انظر: الفكر الديني اليهودي، د. حسن ظاظا ص ٢٦٤ - ٢٦٥، وانظر: مفهوم تجديد الدين، بسطامي سعيد ص ٢٠٨ وما بعدها.
(٢) انظر: الفكر الديني اليهودي ص ٢٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>