للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإمبراطوريتين، ومع ذلك فقد كانت في وضع ضعيف أو فاسد. وكما انحرفت تلك الأمم في الجانب الديني، فقد انتقل ذلك الانحراف ليطبع الحياة الفكرية والعلمية والاجتماعية بطابعه، فحتى الحسن منها لم يسلم من آثار الانحراف الديني.

وقد كان الحنفاء من بقايا أهل الكتاب يشعرون بهذا الظلام المحيط بالعالم بعد أن غاب الدين الحق، وكانت الأمم تعيش حياة صعبة بعد أن غابت عنها روح الرسالات السماوية، وانتشر الظلم والجهل في العالم، وهما رأس الشرور ومنبعا الانحراف قال -تعالى-: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (٧٢)} [الأحزاب: ٧٢] (١)، فالجهل في كل مكان، الجهل بمعناه الأهم وهو جهل الدين والواجب نحو الرب سبحانه، والجهل بمعناه العرفي من انحطاط في المعارف والعلوم. الظلم في كل مكان، الظلم بمعناه الأخطر وهو الوقوع في الشرك الذي غلب على العالم آنذاك، قال -تعالى-: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣]، والظلم بين الناس، عندما يظلم بعضهم بعضًا، وهي حالة غلبت على أهل المعمورة، فالقوي يظلم من دونه.

ويشعر من أوقف نظره عند تلك المرحلة وكأن تاريخ البشرية يسير نحو الحضيض، وأنه لا أمل من ارتفاع جديد للبشر، وأن الانحدار أمر حتمي لا مجال لتغييره، وكما ورد في الحديث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا إن ربي أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا: كل مالٍ نحلته عبدًا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا، وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب،. . ." (٢)، يطلعنا هذا العلم السماوي على الحال السيئ للبشرية قبل بعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأنه كان عامًا للعرب


(١) انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية ١٤/ ٣٨، و ١١/ ٢٥٦، وانظر: الأهواء والفرق والبدع عبر تاريخ الإِسلام. . . .، د. ناصر العقل ص ١٤٧ وما بعدها.
(٢) رواه مسلم برقم (٢٨٦٥) باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار من كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، وانظر: كلام ابن تيمية حول هذا في الفتاوي ١٩/ ١٠١ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>