للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: الموقف الأداتي: ويرى أنه ليس للنظرية العلمية أي مضمون معرفي، فلا توصف بالصدق أو الكذب، وإنما هي أدوات تؤدي وظائف هي: تفسير المعطيات الحسية وتقديم تنبؤات جديدة، لذلك فالأجدر أن نسأل: هل نجحت النظرية في القيام بوظائفها؟ بدلًا من أن نسأل: هل صدقت النظرية؟ فهي وسيلة إلى أفضل استثمار لمعرفتنا بالطبيعة، فليس ما يهمُّ أصحابَ هذا الموقف الحقيقة، وإنما كل ما يهمهم هو العائد العلمي.

الثالث: الموقف التجريبي: وهو قريب من الواقعي، إذ يشاركه الاعتقاد بوجود مضمون معرفي للنظرية، ويخالفه بأن الواقعي يقول بوجود أنطولوجي للمفاهيم النظرية، بينما الطبيعة عند التجريبيين هي خبرتنا أو إدراكنا الحسي لها. وللموقف الأخير شهرة في الفلسفة الإِنجليزية التي ترى أن الطبيعة مجرد ظواهر تقع في خبرتنا، أما الواقعي فيرى وجودًا عقليًا -مثلًا- لتلك الظواهر الطبيعية (١).

وهذا الاختلاف حول الوضع المعرفي للنظرية يحيلنا إلى صعوبات في إمكانية التحقق من النظريات العلمية، وسيجد الباحث مواقف مختلفة، وهذا التنوع يسمح لكل طرف أن يوجه النظرية العلمية إلى المعتقد أو الأيديولوجيا التي يتبناها، بما في ذلك أصحاب المواقف الدينية، ومن أسباب ذلك هذا المجال الواسع لمفهوم النظرية.

فهذا أحد المهتمين بهذا المجال وهو "فرانك" يرى أن صحة النظرية ترتبط بالهدف منها، "ومن ثم فإنه لا يمكن الحكم على صلاحية النظرية بواسطة المعايير العلمية بالمعنى الدقيق: أي باتفاقها مع المشاهدات، وبتماسكها المنطقي. وبعد تطبيق كل هذه المعايير، يبقى في غالب الأمر أن نختار بين عدة نظريات. . . . ونجمل ما سبق فيما يلي: إن مشكلة الاختيار بين النظريات المختلفة في العلوم الفيزيائية لا يمكن حلها في نطاق هذه العلوم إذا كنا بصدد


(١) انظر: فلسفة العلم، د. بدوي عبد الفتاح ص ٢٠٤ - ٢١١، والأنطولوجيا (أي: علم الوجود) قسم من الفلسفة يبحث في الموجود في ذاته مستقلًا عن أحواله وظواهره، ومنه -مثلًا- البحث عن الأشياء في ذاتها، من جهة ما هي جوهر بالمعنى الديكارتي، انظر: المعجم الفلسفي، جميل صليبا ٢/ ٥٦٠ - ٥٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>