للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النظريات ذات التعميم العالي" (١). فمثل هذا المهتم بفلسفة العلم نراه يبتعد عن البحث في صحة النظرية -ولاسيّما ذات التعميم العالي- ويكتفي بوضع هدف يتم من خلاله قبول النظرية أو رفضها.

وغالب النظريات العلمية لا يناسبها التحقق؛ ذلك أن التحقق يناسب الأمور التجريبية، ويغلب على النظرية العلمية ألا تكون تجريبية، "فلا يجوز منطقيًا أن نتحقق من نظرية نيوتن في الجاذبية لأنها بناء نظري خالص، بل من القوانين التجريبية المستنبطة منها، مثل قانون المد والجذر. وبنفس المنطق لا يجوز التحقق من النسبية العامة لأينشتاين، بل نتحقق من النتائج التجريبية المستنبطة منها، مثل انحراف الضوء المنعكس من كوكب عطارد القريب من الشمس نتيجة لجاذبية الشمس" (٢).

وقد كان التحقق من الأساسيات عند طائفة، ولكن التعقيدات التي صحبت النظريات المعاصرة جعلت بعضهم يحوّل مبدأ التحقق من الإيجاب إلى السلب، فبدل أن نطلب من صاحب النظرية أن يثبت صحتها أصبح المطلوب ألا توجد تجارب تنفيها (٣)، فإذا سلمت النظرية من وجود تجربة تنفيها فهي نظرية مقبولة.

ويُعدّ مبدأ التحقق -الذي يمكن من خلاله إثبات صحة نظرية أو إثبات بطلانها- أحد الموضوعات الكبرى في فلسفة العلم ولاسيّما عند الوضعيين، وقد دارت نقاشات كبيرة حول هذا المبدأ، إذ كانت الوضعية المنطقية تصر على مبدأ التحقق شرطًا لقبول المعرفة العلمية، وكان أهم المعترضين عليهم "بوبر" الذي ركّز على الاكتفاء بأهمية عدم وجود ما يكذب النظرية (٤).

ومن بين أسباب صعوبة التحقق الإيجابي أن هناك فروضًا علميةً يستحيل التحقق منها، مثل القانون الأوّل من قوانين الديناميكا الحرارية الذي يقول: إن كمية الحرارة في الكون في تناقص تدريجي، ومن ثم سوف يأتي على الكون يوم


(١) فلسفة العلم. . . .، فيلب فرانك ص ٤٣١، ترجمة أ. د. علي ناصف.
(٢) فلسفة العلم، د. بدوي عبد الفتاح ص ٢١٢.
(٣) انظر: المرجع السابق ص ٢١٣.
(٤) انظر مثلًا: الأسس الميتافيزيقية للعلم، د. حسين علي ص ٧٢ - ٨٥، وانظر: فلسفة العلوم -المشكلات المعرفية، د. ماهر عبد القادر، بكامله، وانظر: رودولف كارناب. . . .، وداد الحاج ص ٨٦ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>