للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنهما يتكاملان في المنهج الإِسلامي الوسطي، والأول هو أساس الثاني.

المخرج الأول "الديني": المخرج النظري لهذه الأزمة -أزمة الانحراف الديني والضعف الدنيوي- هو إصلاح الذات أولًا، هكذا يقول المنطق الصحيح، وقد حدث ذلك فعلًا بظهور دعوة الإِمام محمَّد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، فقد كانت دعوته بحق أهم حدث تاريخي في العصر الحديث، ووفق الله صاحبها إلى الابتداء من الجزء المناسب في إصلاح شأن الأمة الإِسلامية، وذلك بدعوته إلى العودة للدين الصافي بعيدًا عن انحرافات المنحرفين، ذلك الدين كما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتحقق في سلف الأمة، ذلك الدين الذي بتحققه تحصل النجاة الحقيقية والقوة والتمكين.

بدأ -رحمه الله- بالدعوة للتوحيد ونبذ الشرك وإحياء الإِسلام في النفوس والمجتمع، ودعا إلى التخلص من البدع والانحرافات والأمراض الدينية، ومن الطبيعي لعالم مثله ومصلح كبير أن يدرك أمراض واقعه فيبدأ بها، فنشر التوحيد وحارب بدع الشركيات والقبوريات والتصوف والتشيع وما في حكمها من الأمراض المعروفة في واقعه، ونشر العلم وحثّ على تعلمه وتعليمه.

انتشر أمره في العالم الإِسلامي، وأصبح الحديث عن دعوته في كل مكان، فأما العقلاء فقد استفادوا من دعوته أمورًا، أهمها:

- أهمية الابتداء بما ابتدأ به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأمر به دعاته من الصحابة وهو التوحيد ونبذ الشرك والبدع وإقامة الدين في العبادة والمعاملة والسلوك.

- أن الأمة قادرة على النهوض من جديد، وهاهو النموذج أمامهم، فهو في بيئة ذات إمكانيات محدودة، ومع ذلك فقد قام التوحيد، وازدهر بين أهلها العلم، وعاد الناس للعبودية الصافية، وتخلصوا من البدع والضلالات، وتحقق لأهلها من القوة والتمكين في وقت قصير ما لم يتحقق لغيرهم.

- إحياؤه لمنهج السلف الصالح ومذهبهم في الدين "عقيدة وشريعة"، فقد كان المنهج غريبًا بعد انتشار التصوف والكلام والتشيع، وانتشار القبورية والشركيات بين العوام، أما بعد دعوته -رحمه الله- فقد خرج ذاك المذهب العظيم للناس، فتعرفوا على حقيقته الغائبة عنهم وعلى أعلامه البارزين ولاسيّما شيخ الإِسلام ابن تيمية وابن القيم وعلماء كبار في القرن الثامن الهجري.

<<  <  ج: ص:  >  >>