للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما موقف الإِمام محمَّد بن عبد الوهاب -رحمه الله- من العلوم العصرية المعروفة في الغرب، فلم يتحدث عنها الشيخ بحسب ما اطلعت عليه من كتبه (١)، ولكننا إن أردنا معرفة موقفه فلنا طريقان: إما الذهاب إلى المدرسة التي نهل منها الإِمام، وهي مدرسة شيخ الإِسلام ابن تيمية، أو الذهاب إلى من جاء بعده من أتباع دعوته ممن أحيا مذهب السلف من العلماء الذين احتكوا بهذه العلوم وتعرفوا عليها وأعلنوا موقفهم منها، فعند الطرف الأول نجد التأصيل المهم للعلاقة بهذه العلوم، وعند المعاصرين نماذج من بيان الموقف مما استجد منها في حياة الناس، وهو موقف يخالف بالطبع الموقف الذي عُرف من علماء الدين من أتباع الطرق الصوفية وغيرها، على أن الحديث عن ذلك سيُؤجل إلى مبحث يتعلق بموقف الاتجاه السلفي من العلوم العصرية.

أما لماذا لم يتحدث الشيخ عن العلوم العصرية والحضارة الغربية؟

فإن الشيخ -رحمه الله- بدأ بالأساس وهو الإصلاح والتجديد والدعوة للتوحيد وحماية جنابهِ ومحاربة الشركيات والبدع ومظاهر الانحراف في المجتمع، وهي دون شك المهمة العظمى التي فرط فيها أصحاب مشروعات عرفها المسلمون دعت للارتقاء بحال الأمة دون أن تعتني بهذا الجانب.

أيضًا فإن موطن دعوة الشيخ -رحمه الله- كان بعيدًا عن الاحتكاك بأوروبا وحضارتها الحديثة، فلم تكن وسائل المواصلات ولا الاتصالات آنذاك متيسرة، وكانت الجزيرة لاسيّما وسطها بعيدة عن الاتصال بالغرب، وكان البناء الداخلي متواصلًا لم يكتمل حتى نبحث عن المفيد عند غيرنا إن احتجنا له، وهو ما سيظهر عند علماء أتوا بعد الشيخ أصّلوا للعلاقة المناسبة بالعلوم العصرية.

إذًا لم تكن من أولويات دعوته آنذاك، ولم تكن بيئته قريبة من تلك الأمور، وقد كان من الممكن أن يُكمل المسلمون الذين هم على صلة بأوروبا ما نحتاجه مما ينقصنا في أمور الدنيا من العلوم النافعة من طب وصناعة وإدارة وغيرها، بحيث يحدث التعاون المطلوب شرعًا بين المسلمين، وتقوم فئة من


(١) جُمعت مؤلفاته -رحمه الله- في اثني عشر مجلدًا (مؤلفات الشيخ الإِمام محمَّد بن عبد الوهاب)، بإشراف عبد العزيز الرومي وآخرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>