للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمين بتحصيل ما يحتاجه الناس ونقلهِ إليهم؛ لكن الذي وقع في تاريخنا المعاصر غير ذلك.

فإن المرحلة التي ظهر فيها الشيخ بدعوته الإصلاحية في الجزيرة هي المرحلة نفسها التي بدأت مصر والسلطنة العثمانية بالتعرف على علوم الغرب وطلبها، وقد كان يمكن حدوث التعاون الذي تكلمنا عنه؛ إلا أن الأهواء السياسية والبدعية قد أفسدت الأمر، وتكفل "محمَّد علي" -نيابة عن الدولة العثمانية مع طمعه في توسيع أملاك ولايته- بمحاربة الدعوة السلفية، ومحاولته القضاء على تلك الدعوة التجديدية الإصلاحية العظيمة، فخسر المسلمون بسبب ذلك الصراع شيئًا كثيرًا. ومع ذلك فقد تحقق المكسب الحقيقي ولله الحمد بإحياء مذهب السلف، فتعرّف الكثير عليه وعادوا إليه، وبدأت آثارها تظهر في كل مكان بفضل من الله سبحانه.

هكذا كان المشروع الأهم والأعظم قد انطلق بفضل الله دينيًا وسلفيًا، فحرك العالم الإِسلامي بأكمله، ومثّل أصحابه أهم الصور التجديدية والإصلاحية في العصر الحديث، رغم ما تعرضت له الدعوة أول أمرها من حرب فكرية (١) وإعلامية وسياسية وعسكرية إلا أنها أيقظت الأمة.

ويحسن التوقف مع مقولة خاطئة نجدها في الكتب الفكرية المعاصرة من الحديث عن دعوة الشيخ -رحمه الله-، ومنها قول "أحمد أمين" عن أتباع الإِمام بأنهم: "قد اهتموا بالناحية الدينية وتقوية العقيدة وبالناحية الخلقية كما صورها الدين؛ ولذلك حيث سادوا قلت السرقة والفجور وشرب الخمور وأُمِّنَ الطريق وما إلى ذلك، ولكنهم لم يمسُّوا الحياة العقلية ولم يعملوا على ترقيتها إلا في دائرة التعليم الديني، ولم ينظروا إلى مشاكل المدنية الحاضرة ومطالبها. . . ." (٢)،


(١) يمكن التأمل في ضخامة ما أثير فكريًا وإعلاميًا على دعوة الشيخ -رحمه الله- بالرجوع إلى: دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمَّد بن عبد الوهاب -عرض ونقد، عبد العزيز العبد اللطيف.
(٢) زعماء الإصلاح في العصر الحديث، أحمد أمين ص ٢٠، وللأسف فلشهرة كتاب أحمد أمين فقد أصبح مرجعًا للبعض فينساقون في الاتهام دون انتباه، وانظر مثلًا: الفكر التربوي. . . .، د. سعيد إسماعيل ص ٧٢، وقد قال الشيخ محمَّد عبده كلامًا قريبًا من هذا، انظر: الإِمام محمَّد عبده. . . .، د. محمَّد عمارة ص ٥٨ - ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>