والحجاز تبعًا لعاصمة الخلافة في طلبها التحديث؛ لذا فالحديث عن عاصمة الخلافة يتبعه إلى حد ما الشام والعراق والحجاز، وقد جاء وقت الحديث الموجز عن خطوات التحديث في تلك المراكز مع توجهها نحو أوروبا لطلبه، وكيف كان -تبعًا لذلك- طلبها للعلوم العصرية؟
نظرًا لأن التحديات في المقام الأول كانت عسكرية، تتمثل في تهديد الجيوش الأوروبية العصرية لما يجاورها من بلاد المسلمين، فقد بدأ التحديث لدينا أيضًا -في تلك البلدان- عسكريًا، من أجل تكوين جيش حديث مزود بأسلحة عصرية ويتّبع ترتيبًا إداريًا حديثًا يستطيع مواجهة التحدي الخارجي، ونظرًا لاستفادة الجيوش الأوروبية من ثمرات العلوم العصرية كالجغرافيا والهندسة وعلوم الصناعة الحديثة، وما اعتمدت عليه من رياضيات وفيزياء وكيمياء وغيرها، فقد ارتبط ذلك أيضًا بطموحات بعض ولاة المسلمين في إعداد جيوشهم الجديدة عبر تزويدهم بالمعارف الحديثة العلمية والعسكرية، كان هذا هو مدخل طلب العلوم العصرية من أوروبا ولم يكن من المداخل المناسبة؛ بل ربما أضرّ بحركة العلم العصري في العالم الإِسلامي؛ لأن حركة العلم الحديثة في أوروبا كانت حركة علمية مرتبطة بالمجتمع لا بالجيش، وعندما يكون العلم مؤسسة مستقلة، فإنه ينمو ويتطور ويستفيد المجتمع منه، كل جهة تأخذ ما يناسبها، أما في العالم الإِسلامي فقد كانت مؤسسات تعليم العلوم العصرية أول أمرها غالبًا ما تكون لخدمة الجيش ولم تكن للمجتمع، كانت الجامعات في أوروبا مفتوحة للجميع يدرس فيها الجميع، أما المعاهد العصرية لدينا أول نشأتها فكانت خاصة بفئة من المجتمع ولاسيّما الجيش.
وبهذا تكون المؤسسات العلمية الجديدة محكومة بالخطأ والفشل، الخطأ: في مقابل الدين، لعدم ارتباطها بمعاهد المسلمين العلمية التي يُفرق فيها بين الصواب والخطأ، الجائز والممنوع، وكانت العلاقة فقط عبر استفتاء لهيئة العلماء وفي حالات معينة، ولذا نشأ العلم العصري بعيدًا عن علوم الإِسلام وأهلها مما سبب فيما بعد الخصومات بين المجالين، وسهل تسرب الانحرافات الفكرية دون أن تجد النقد الجيد.
والفشل: في تجربة تحصيل العلوم العصرية؛ لأن ارتباطها بالمؤسسة العسكرية لا يهيئ لها النمو والتطور الصحيح، وتبقى معاهدها للتدريس فقط،