وما إن يتطور العلم في الغرب حتى نكون في حاجة للابتعاث من جديد أو لاستقدام الخبراء، بخلاف ما لو تكونت مؤسسة علمية مستقلة للعلوم العصرية، تتطور بذاتها ويلتحق بها عند الحاجة بعض أفراد الجيش على أن لا يتحكموا في مصيرها، في وقت ربما كان بالإمكان الإمساك بزمام هذه العلوم قبل أن يحدث فيها تلك التطورات البعيدة الشأن، مما عمق الفجوة بين المسلمين وبين غيرهم من الأمم.
هكذا وقعت تجربتنا في تحصيل العلوم العصرية في مشكلتين خطيرتين، مشكلة نشأة تلك العلوم منفصلة عن العلوم الإِسلامية؛ مما سمح بتسرب الانحرافات المعارضة للدين، ومشكلة نشأتها كمؤسسة تخدم المجال العسكري فقط؛ مما عطّل تطورها الذاتي، فبقينا مرتهنين إلى الآن للغرب، وما زال الابتعاث الأداة الأهم إلى الآن في تحصيل هذه العلوم، وتعمقت المشكلة في عصرنا، حيث أصبحت الدول الغربية تفتح جامعاتها في بلداننا وتدرّس فيها ما يتلاءم مع احتياجاتهم هم لا تدريس ما يسهم في استقلالنا المعرفي في باب العلوم العصرية، ونظرًا لأن العلوم العصرية طلبت من خلال تجارب السياسيين في النهوض بالأمة؛ فسأقف مع أشهر تلك التجارب، وما لحق بها من آثار في الفقرات القادمة بإذن الله.