للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأسس مع آخرين معهد ديوبند سنة (١٢٨٣ هـ) (١)، وكان للمعهد أثر كبير في حفظ علوم الإِسلام في تلك البلاد؛ وإن وقع أصحابه في الكلام والتصوف التي قلّما يسلم منها أحد في تلك المرحلة (٢)، فدخل مع تلك العلوم العناية بالفلسفة القديمة والكلام والتصوف، ولكنها -ولاسيّما في ظلّ غياب الدولة الإِسلامية- لم تُدخل تعليمًا يساعد الناس على العيش في عصرهم ومواجهة تحدياته من العلوم النافعة الجديدة؛ مما جعلهم غرباء عن مجتمعهم.

ومما نأخذه على أصحاب هذا الموقف -فضلًا عن مشكلة الكلام والتصوف- في تعاملها مع الوافد الغربي: أنها كانت تمثل المسلمين في تلك البلاد، فليست دعوة دينية فقط للاهتمام بعلوم الشريعة، بل هي تمثل المسلمين، فكان الأصل أن تجمع مع علوم الشرع ما يحتاج إليه المسلمون من علوم العصر، فلا تترك أبناء المسلمين ينخرطون في معاهد ومدارس المستعمرين والمبشرين والهندوس ليتعلموا تلك العلوم. فإن لم تستطع فلا أقلّ من بيان الموقف الصحيح المعتدل من حضارة الغرب: فتسمح بالنافع وتؤصل لكيفية أخذه، وتبين عدم معارضته لديننا كما يزعم المتغربون أو المستعمرون، بل إنها كانت في يوم من الأيام من صلب حضارتنا الإِسلامية. وإن كنا في الوقت نفسه نعلم سهولة النقد الآن لابتعادنا عن تلك المرحلة التي كانت دون شك مرحلة صعبة، ربما تفسر لنا صعوبتها السبب في وقوعهم في مثل تلك النواقص، لكنه لا ينبغي أن يكون دليلًا للبعض في تكرير الأخطاء.

الموقف الثاني: موقف دعاة الانخراط في الحضارة الغربية:

كان من أبرز ممثلي هذا الموقف "سيد أحمد خان" (١٢٣٢ - ١٣١٥ هـ/ ١٨١٧ - ١٨٩٨ م)، فقد صادق المستعمرين وعارض الثورة عليهم وانبهر بحضارتهم؛ فتحول إلى داعية لتلك الحضارة.


(١) انظر: المرجعين السابقين، الأول: ص ٦٣ - ٦٥، والثاني: ص ٥٧.
(٢) انظر: للتعريف بـ "الديوبندية"، الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ١/ ٣٠٤، فقد ظهر نشاطهم بعد رؤيتهم سعي الإِنجليز في تغريب المجتمع، واطلعوا على مقولة اللورد "ميكالي" الإِنجليزي (إن الفرصة من خطتنا التعليمية هو إنشاء جيل من الهند، يكون هندي النسل واللون، وأوروبي الفكر والذهن) ١/ ٣٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>