للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس يرون تقدمهم وغناهم وعلومهم، وبرز -كما يقول أبو الحسن الندوي- الصراع بين الشرق والغرب بعد أن تمكنت بريطانيا من الهند زعيمة "الحضارة الغربية في الشرق، وزحفت إليها العلوم الحديثة والتنظيمات الجديدة، وما تستتبعها من آلات ومصنوعات وآراء وفلسفات" (١)، وبرزت مواقف بسبب هذا الصراع، أهمها موقفان (٢):

الأول: موقف من لم ير في الحضارة الغربية إلا الضلال، فأقفل بابه أمام النافع منها، مما مكّن الأعداء الداخليين من الانتفاع بها وحدهم، وتمكنهم فيما بعد من أهل الرأي الأول.

والثاني: موقف من رأى الخير كلّه في الحضارة الغربية، وأن إسلامنا وحضارتنا لابد أن نكيفها مع مقتضيات الحضارة الغربية حتى نستطيع التفاعل معها، مما مكّن من انتشار الأفكار المنحرفة بين صفوف المسلمين بيسر وسهولة دون أن تجد الحسّ النقدي والموقف الواعي. وقام لأصحاب الموقفين مدارسهم وأتباعهم، وانشقت لحمة المسلمين في ذاك المكان واتسع الخلاف بينهم، وكان المستفيد الأكبر آنذاك هو المستعمر.

الموقف الأول: الموقف المحافظ

كان أهم ممثل للموقف الأول مجموعة من علماء الدين الذين هالهم ضياع أبناء المسلمين وانخراطهم في تيار الأفكار الوافدة؛ فدفعهم ذلك للدعوة إلى التمسك بالدين ونبذ الحضارة الوافدة مطلقًا، وكان فيهم العلماء في الحديث والتفسير والفقه وأبواب العلم الشرعي الأخرى، ولكنهم كانوا متمسكين ببعض الطرق الكلامية بحسب صورتها عند المتأخرين مع اتِّباع الكثير منهم لطرق التصوف، وربما كان لذلك أثره في عدم صفاء الموقف من الموروث الإِسلامي من جهة، ومن الوافد الغربي من جهة أخرى.

أشهر ممثل لهذا الموقف هم أصحاب معهد "ديوبند"، ومن مشاهيرهم الشيخ محمَّد قاسم النانوتوي (١٢٤٨ - ١٢٩٨ هـ)، شارك في ثورة (١٨٥٧ م)،


(١) الصراع بين الفكرة الإِسلامية والفكرة الغربية، أبو الحسن الندوي ص ٦٢.
(٢) انظر: المرجع السابق، ص ٦٣ - ٧٦، وانظر: أبو الأعلى المودودي -حياته وفكره العقدي، حمد الجمال ص ٥٧ - ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>