للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإِسلام والقرآن يقبل التوافق مع العلوم العصرية؛ وذلك عبر تأويله تأويلًا غير مستساغ حتى عند بعض العصرانيين (١).

وكذا الحال عبر كليته "كلية عليكرة" المشهورة التي أراد من خلالها تعليم العلوم العصرية لمن استجاب لدعوته من المسلمين، مع العلم بأن مطلبه من العلوم العصرية بحسب اجتهاده ينحصر "بتعليم اللغة والآداب فقط، ولم يعن بتعليم الفنون والعلوم التطبيقية العملية العناية التي تستحقها، مع أنها هي ثمرة العلم الجديد اليانعة، وسر قوة الأمم الغربية وسيادتها، وهي التي يجب أن تستفاد من الغرب ويحرص على دراستها والبراعة فيها، بل إنه -سامحه الله- عارض في بعض الأحيان تعليم الصنائع والعلوم معارضة شديدة، وكتب في هذا الموضوع مقالات شديدة اللهجة، مريرة النقد"، ومن ذلك مقالة له سنة (١٨٩٨ م) يقول فيها: "إن الهند نظرًا إلى حالتها الراهنة ليست في حاجة إلى تعليم الصنائع، إن الأهم المقدم هو الثقافة الفكرية" (٢)؛ فاتجهت كليته إلى اتجاه علمي أدبي، وخرّجت خطباء وأدباء وإداريين وقضاة وموظفين كبارًا، ولم تخرج مبرزًا أو مبتكرًا في "علوم الهندسة والميكانيكا، والطبيعية والكيمياء والصناعات المفيدة، والعلوم التي كان الشعب الإِسلامي الهندي في فقر شديد إليها، وكان ذلك من أسباب تخلفه واقتصاره على الوظائف الحكومية والمراكز الإدارية المحدودة دائمًا" (٣)، ولا شك أن هذا الاجتهاد لسيد أحمد خان يخالف ما نجده في بعض التراجم عنه من كونه داعية للعلم الحديث مطلقًا، فالذي يظهر الآن أنه ركز على الفكر وما يدور في فلكه، وربما يفسر لنا ذلك سبب كثرة ورود الاعتراض على الدين بأفكار تنتسب إلى العلم ومحاولته التأويل ليطوّع النص لمثل تلك الأفكار؛ لأنه لو ابتدأ بالنافع من علوم العصر وأخر المشتبه حتى يتبين المسلمون حقيقته؛ لخفّ الإشكال داخل المسلمين، وكان المسلمون في ميدان الفكر أحوج إلى الإصلاح الذاتي بالرجوع إلى الإِسلام في صفائه وبعيدًا عن البدع


(١) انظر: مفهوم تجديد الدين، بسطامي محمد ص ١٢٣، وانظر: تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، جرجي زيدان ٢/ ٩٠، وانظر: زعماء الإصلاح في العصر الحديث، أحمد أمين ص ١٣٠ - ١٣١.
(٢) الصراع بين الفكرة الإِسلامية والفكرة الغربية، أبو الحسن الندوي ص ٧٥.
(٣) انظر: المرجع السابق، الصفحة نفسها.

<<  <  ج: ص:  >  >>