للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد يكون هناك مسائل كثيرة اطّلع عليها المسلمون في القرن الثالث عشر، إلا أن أهم ما اطلع عليه المسلمون من نظريات مؤثرة في الوسط الاجتماعي -وإلى الآن آثارها قائمة- نظريتان، هما: "نظرية الفلك، ونظرية التطور"، وسنرى الآن باختصار كيف وقع ذلك التعرف للمجتمع:

النظرية الأولى: نظرية الفلك الحديثة:

فمن أهم العموميات التي تناولها الناس واختلفوا حولها ثلاثة أشياء: كروية الأرض، ودورانها حول نفسها، ودورانها حول الشمس، لا أن الشمس هي التي تدور حول الأرض. هذه العموميات هي من نتائج نظرية يقبع خلفها كثير من الحسابات الرياضية والرصد الفلكي الدقيق والاستنباطات العقلية؛ مما لا يسع لغير المتخصص إدراكها بخلاف العموميات، ولذا فإن اعتراضات كثير من المعترضين هي على النتائج العامة وليست على الأدلة وطرق التحقق والاستنباط، ومن هنا كانت الاعتراضات ضعيفة لأنها لا تواجه العلم ذاته وإنما تواجه بعض نتائجه، والحقيقة أن المعترضين آنذاك ليس باستطاعتهم منافسة أهل النظرية الحديثة لما يتطلبه من معرفة رياضية عميقة ورصد طويل وحسابات فلكية معقدة وممارسة فلكية طويلة تؤهل للاستقراء والاستنباط، فكانت الساحة غير متكافئة، وقد كان السائد في البلدان الإسلامية التي احتكت أولًا بهذه النظرية أن الأرض مسطحة مع وجود القول بكرويتها عند آخرين، وأنها ثابتة، وأن الشمس تدور حولها, ولا شك أن دخول النظرية الحديثة على مثل هذا الجوّ السائد سيصنع توترًا شديدًا في المجتمع ما لم ينجح أهل العلم في رفع الإشكال؛ لأن السائد هنا يرتبط باعتقاد ديني، فكثير من الكتب الكلامية تتناول هذه المسألة كما أن بعض علماء التفسير قد أدخلوا بعض الآراء الفلكية القديمة أثناء مرورهم على الآيات الكونية مما حولها إلى مسألة دينية خبرية.

يعود السبب في أسبقية دخول نظرية الفلك إلى كونها أوّل النظريات شهرة في أوروبا وحدث بسببها صراع مشهور، كما أنها تدخل في مادة الجغرافيا وقد كانت من أول ما اهتُم به في العالم الإسلامي؛ وذلك أن التعليم العصري طُلب أول ما طُلب لتكوين الجيش الحديث، ومن أهم ما يحتاجه الجيش هو دراسة جُغرافيّةِ العالم. وتبدأ كتب الجغرافيا عادة بدراسة الأرض، من جهة: كرويتها

<<  <  ج: ص:  >  >>