للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منتصف القرن الثالث عشر، وبعد ما يقرب من ثلاثين سنة جاء كتاب آخر حظي بشهرة قريبة من كتاب الطهطاوي، وهو كتاب "خير الدين التونسي" "أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك" سنة (١٢٨٣ هـ-١٨٦٧ م)، ونجد عنده أيضًا أصداء هذه النظرية وإن كان بأسلوب التعريف بأحوال الممالك، ففي [مطلب ذكر من اشتهر من الأوروبيين بالمعارف والاختراعات]، يقول: "وأما أهل شمال أوروبا فلم يشتهروا إلى ذلك الوقت بشيء من أعمال الفكر، غير أن منهم من لا تنكر منته على العرفان، مثل كبرنيك من أهل بولونيا، المولود سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة وألف، وهو الذي حرر القول بأن الشمس في مركز العالم، وأن الأرض والكواكب تدور حولها. قيل: وليس هو أول قائل بذلك، وإنما الأول فيلولاوس أحد تلامذة فيثاغورس، وذلك قبل وجود كبرنيك المذكور بألفي عام، لكن وقع الانفصال على أن كبرنيك هو الذي ينبغي أن تنسب إليه مزية الابتكار لهذا القول، وإن انتفع في الاهتداء إليه بقول فيلولاوس المذكور. ومن حرر الدليل على تلك الدعوى، بما يقرب من المشاهدة، غليلاو الطلياني، وأعانه على ذلك ما اخترعه مسيوس من أهل هولاند من آلة البلور التي تكبر الأشياء، فكانت مرآته تكبر الشيء مائة وستين مرة زيادة على مقدار حجمه، ثم تهذبت تلك الآلة حتى صارت تكبره من ألفين إلى ثلاثة آلاف وأكثر. ولم تزل تلك الدعوى تترجح عند أهل أوروبا إلى أن صارت مسلمة لديهم" (١).

كانت هذه من الصور الأولية لطرح النظرية عبر كتابين للجمهور وإن كانت غير مفروضة عليهم وإنما وردت على سبيل التعريف، ولكن ستتحول عبر الصحافة -التي يتولاها غالبًا النصارى- إلى مشكلة داخل الساحة الإسلامية، قامت الصحافة بالإثارة المتكررة للموضوع عارضة ذلك في إطارٍ مشكل يختلف عن عرض الطهطاوي والتونسي، فقد عرضت ذلك قضيةً تحتك بالمجال الديني، ومن ثمّ تفتح مناقشة مشكلة العلاقة بين الدين والعلم من خلال نظرية الفلك. فبعد تسع سنوات تقريبًا من كتاب التونسي فتحت مجلة المقتطف جدلًا واسعًا حول الموضوع، بدأ ذلك سنة (١٢٩٢ هـ-١٨٧٦ م)، بدأ كمناقشات بين طائفة النصارى، بين الفريق المؤيد لنظرية بطليموس والآخر الرافض لها والمدافع عن


(١) أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، خير الدين التونسي ص ٢١٣ - ٢١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>