للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاءت (١) شرارة الموضوع من كلمة ألقاها أحد أساتذة الكلية في خريجي سنة (١٨٨٢ م)، أشاد فيها بداروين ونظريته، وعرضتها مجلة المقتطف، فبدأ الصراع داخل النصارى: تيار يؤيد وآخر يعارض، ثم تدخل المسلمون عبر بعض كتابهم. وفي هذه المرحلة أيضًا كانت الهند الكبرى قد سبق إليها من تعرف على هذا المذهب وتأثر به وسعى لنشره في الأجيال الجديدة، مما جعل المفكر المشهور جمال الدين الأفغاني يؤلف كتابه المشهور: "الرد على الدهريين"، ترجمه محمد عبده عن الفارسية بمساعدة من له معرفة بتلك اللغة سنة (١٨٨٤ م)، وقد ذكر في مقدمته أثر تلك النظرية على أناس في المشرق الإسلامي وإلحاد البعض مما جعله يؤلف في الرد عليهم؛ أي: أنها نظرية تجاوزت حدود العلم مما دفع الأفغاني للكتابة عن أهمية الدين وأنه لا غنى للعالم عنه مع نقده بحسب استطاعته لتلك النظرية (٢). وقد نشأ تيار فكري نصراني الأصل ماركسي المذهب يتبنى هذه النظرية داخل مصر، وحظي بدعم وحماية من المستعمر، من أبرزهم "شبلي شميل" و"سلامة موسى"، نشر الأول مقالاته في المقتطف، وألف كتابه "فلسفة النشوء والارتقاء"، ثم "كتاب شرح بخنر على مذهب دارون"، كما أنه أصدر مجلة الشفاء فضلًا عن كتابته في صحافة مصر ولبنان آنذاك (٣). أما "سلامة موسى" الذي انتصر لهذه النظرية ومذهبها فقد ألَّف فيها "نظرية التطور وأصل الإنسان" سنة (١٩٢٨ م)، وفي السنة التالية أصدر مجلته "المجلة الجديدة" التي بقيت حوالي أربع عشرة سنة، فضلًا عن نشاطه الصحفي والفكري (٤)، ولا شك أن بقاءها في هذا الإطار النصراني الماركسي جعلها تفقد كل صلة لها بالعلم وتحولت معهم إلى أداة لمحاربة الإسلام.

لم تدخل هذه النظرية نطاق التعليم إلا في وقت متأخر ولاسيّما في البلاد


(١) من بين من اهتم بتتبع هذه النظرية وأبعادها الفكرية في العالم العربي الدكتور عبد الله العمر في كتابه: فكرة التطور في الفلسفة المعاصرة، وانظر: الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة. . . .، علي المحافظة ص ٢٣٨ - ٢٤٣.
(٢) انظر: زعماء الإصلاح في العصر الحديث، أحمد أمين ص ٧٦ - ٨٠.
(٣) سيأتي الحديث عن دوره والنظرية في فقرات قادمة، وانظر حول هذه المعلومة: الفلسفة النشوئية وأبعادها الاجتماعية. . . .، د. محمود المسلماني ص ٢٤١.
(٤) انظر: سلامة موسى بين النهضة والتطوير، د. مجدي عبد الحافظ ص ٢٦ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>