وهدفهم نقلها لبلادهم، ويشكرون على تلك التضحيات والجهود والتعب والمشقة والسهر والمعاناة، عندما نتكلم على تلك الثلة التي غامرت نيابة عن العالم الإسلامي، فإنه لا يسع الباحث إلا تذكر الصعوبات والمعاناة التي واجهوها، ولكن قدَرهم أنهم كانوا في وقتٍ صعب، وعكّر تلك المسيرة أن بعضهم قد اخترقه التغريب والبعض حول جهده ليكون أداةً لمشاريع لا تخدم تقدم الأمة أو قوتها ورقيها.
ولا شك أننا بعد سنوات من جهدهم نجد العلوم النافعة منتشرة في الأمة، وأصبحت معروفة غير مستغرَبة، وهو أمر ليس بالسهل لمن تأمل البدايات والصعوبات التي قابلت تلك التجربة حتى وصلت إلى الحال التي نراها. وبما أن هدف البحث هو النظر في مجال الانحراف بالعلم وكشف من جعله أداة في الصراع مع الدين، فسأحاول تحليل التجربة التاريخية الحديثة للبحث في أسباب الانحراف بالعلم من أجل الوعي بها والانتباه لخطرها.
قد تختلف صور تحليل الموضوع ورصد الأسباب، وقد رأيت من الأنسب في تحليل إشكالية البحث وكشف أسباب الانحراف بالعلم ورصد البيئة الفكرية والاجتماعية المنتجة لذلك، أن تكون من خلال الأسباب الآتية:
١ - ضعف مؤسسات الأمة العلمية.
= كان التقليد لأمة كافرة وحضارة علمانية مادية انتشر فيها الإلحاد، انظر مثلًا: أعلام الموقعين، لابن القيم، فصل التقليد وأقسامه، وانظر: جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر، باب فساد التلقيد، وانظر كلام الشنقيطي: أضواء البيان، [سورة محمد: ٢٤] ٧/ ٤٣٠ - ٤٧٧، وانظر: فتاوى ابن تيمية، أصول الفقه، فصل في التقليد الذي حرمه الله، ١٩/ ٢٦٠ وما بعدها، وانظر فيه أيضًا: مسألة في الاجتهاد والاستدلال والتقليد والاتباع، ٢٠/ ١٥ وما بعدها، وغالب الجزئين: ١٩ و ٢٠ من الفتاوى، فضلًا عن كلام الشوكاني في: إرشاد الفحول، ومن تأمل في كتاب شيخ الإسلام: اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، عرف مشكلة التشبه والتقليد، وسبب حرص الإسلام على تميز أهله وتشدده في النهي عن التشبه بالأمم الأخرى. . . .، وانظر الفصل المميز الذي عقده ابن خلدون في مقدمته بعنوان: الفصل الثالث والعشرون في أن المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده ٢/ ٥١٠، وانظر: تحليل معاصر لجزء من المشكلة عند مالك بن نبي، وهي: القابلية للاستعمار في أغلب كتبه، انظر مثلًا: شروط النهضة ص ١٤٥ وما بعدها.