للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمعيدي خير من أن تراه. فقال له الشيخ: هي يا مولانا كما سمعتم معدن العلوم والمعارف. فقال: وأين هي وأنتم أعظم علمائها، وقد سألتكم عن مطلوبي من العلوم، فلم أجد عندكم منها شيئًا، وغاية تحصيلكم الفقه والمعقول والوسائل، ونبذتم المقاصد؟!

فقال له: نحن لسنا أعظم علمائها، وإنما نحن المتصدرون لخدمتهم وقضاء حوائجهم عند أرباب الدولة والحكام، وغالب أهل الأزهر لا يشتغلون بشيء من العلوم الرياضية إلا بقدر الحاجة الموصلة لعلم الفرائض والمواريث، كعلم الحساب والغبار.

فقال له: وعلم الوقت واستقبال القبلة وأوقات الصوم والأهلة وغير ذلك؟

فقال: نعم معرفة ذلك من فروض الكفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وهذه العلوم تحتاج إلى لوازم وشروط وآلات وصناعات وأمور ذوقية، كرقة الطبيعة وحسن الوضع والخط والرسم والتشكيل والأمور العطاردية، وأهل الأزهر بخلاف ذلك، غالبهم فقراء وأخلاط مجتمعة من القرى والآفاق فيندر فيهم القابلية لذلك، فقال: وأين البعض؟ فقال موجودون في بيوتهم يسعى إليهم" (١). يقول الجبرتي: إن الشيخ دلّ الوالي على والد المؤرخ، فأرسل له الوالي وسرّ برؤيته، وكان يتردد إليه يومين في الأسبوع السبت والأربعاء، وكان الوالي يقول: "لو لم أغنم من مصر إلا اجتماعي بهذا الأستاذ لكفاني"، وتلقى على يديه بعض الأمور الرياضية (٢).

[وقفات مع الحدث]: وهنا مع هذا النص المهم بعض الوقفات:

أولها: مكانة الأزهر ومصر حتى في مركز الخلافة، وهذا يؤهل الأزهر وما حوله ليكون النموذج المناسب للبحث، فالوالي يقول: "المسموع عندنا. . . . إلخ".

ثانيها: الانفصال بين السلطة والمؤسسة العلمية.

تعمل المؤسسة العلمية -الأزهر هنا- بعيدًا عن السلطة، فصحيح أن شيخ الأزهر يأتي التصديق على تعيينه من قبل الوالي بعد عملية الترشيح التي يقوم بها


(١) انظر: تاريخ الجبرتي ١/ ١٩٥.
(٢) انظر: المرجع السابق ١/ ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>