للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل الأزهر، إلا أن الأزهر يستقل بعد ذلك بعمله، ويواصل عمله في التعليم وتخريج من يقوم بالقضاء والفتيا والإمامة والخطابة وما في بابها، وكل ذلك دون تدخل ظاهر من الوالي، ولاسيّما أن الولاة في تلك المرحلة يتمّ تغييرهم سريعًا.

ولا شك أن أي مؤسسة علمية ترغب في الاستقلال عن أهواء السياسة والسياسيين حتى تستطيع القيام بدورها العلمي أحسن قيام، ولكن الاستقلال إذا لم يصحبه دعم ورعاية من قبل السلطة ومن قبل قيادات المجتمع يتحول إلى مشكلة من جهة إمكانيات المؤسسة العلمية؛ لأن المؤسسة العلمية لا يمكنها القيام بنفسها إلا في ظل دعم معنوي ومادي كبير، ولاسيّما في تلك المجالات الدنيوية التي تحتاج إلى تجريب وأدوات وأماكن خاصة، وهذه كلها تتطلب الكثير من الدعم.

قد لا يحرص الوالي على دعم الأزهر؛ لأن بقاءه في الولاية محدود بزمن قصير، والأزهر اكتفى بحاله التي هو عليها، في خدمة جانب من العلوم على الضعف الذي لحق بها. وإذا جاء أحد الولاة ممن له رغبة في العلوم والمعارف فلا يتجاوز ذلك حد الرغبة الشخصية والاستمتاع الذاتي كما حصل من الوالي السالف الذكر، فبعد أن حصل على مطلوبه الشخصي لم يتجاوزه إلى تحقيق حاجة الأمة، وهو نوع من الأنانية وعدم استشعار المسؤولية، وهذا من والٍ مدحه الجبرتي فكيف بغيره، كما أن الأخطر أن الوالي جعل علاقته بالمؤسسة العلمية علاقة مصالح، محتاجًا إلى دعمها فقط وضبطها للجمهور، وهذا مما أضعف مثل تلك المؤسسات.

ثالثها: عدم تجاهل المؤسسة العلمية أهمية بعض العلوم الدنيوية فالوالي هنا كان محبًا للعلوم الرياضية فسأل عنها, ولكن هناك علوم في الأهمية نفسها وربما أكثر لم يسأل عنها، مثل الطب والعلوم الطبيعية النافعة في الصناعة وغيرها، مما يدل بأن ما يبحث عنه هو ما يلبي حاجته لا ما ينفع الأمة، وقد لفت شيخ الأزهر انتباه الوالي بأسلوب لطيف إلى أمور:

أ- أنه بيّن حكم تعلمها، وجعلها من فروض الكفاية؛ أي: أن المؤسسة التعليمية لا تمنعها، بل هي تراها من الواجبات على الأمة، إذا قام بها البعض وتحقق وجودها سقط الوجوب والإثم، ويبقى عندئذ في دائرة الإباحة، فكيف

<<  <  ج: ص:  >  >>