للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَجْهَلُونَ (١٣٨)} [الأعراف: ١٣٨]، وقال -تعالى- عن نوح -عليه السلام-: {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (٢٩)} [هود: ٢٩]، وقال -تعالى-: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (١١١)} [الأنعام: ١١١].

فالجهل بالله والجهل بدينه له خطره، وله أثره في ظهور المخالفة والمخالفين، فهذه شهادة من رب العالمين وشهادة من أنبيائه المرسلين في أن سبب ضلال من ضلّ هو الجهل (١)، وكل من تتبع حال المخالفين -ولاسيّما في أزماننا المعاصرة- وجد الجهل بالدين صفة لازمة لهم، وقد يوجد عند بعضهم معرفة نظرية دون أن تصل القلب فتنفعه، وذلك له أسبابه ومنها الهوى، وهو السبب الثاني الذي ذكره الشاطبي - رحمه الله -.

ثانيًا: الهوى:

قال "الجرجاني" في تعريفه للهوى إنه: "ميلان النفس إلى ما تستلذه من الشهوات من غير داعية الشرع" (٢)، وقال الشاطبي - رحمه الله -: "ولذلك سمي أهل البدع أهل الأهواء لأنهم اتبعوا أهواءهم فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها، والتعويل عليها، حتى يصدروا عنها، بل قدموا أهواءهم، واعتمدوا على آرائهم، ثم جعلوا الأدلة الشرعية منظورًا فيها من وراء ذلك. ." (٣).

قال -تعالى-: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١١٩]، وقال -تعالى-: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠)} [القصص: ٥٠]، وقال -تعالى-: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (٨٧)} [البقرة: ٨٧]، وقال -تعالى-: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ


(١) انظر كلام الشاطبي عن هذا السبب في: الاعتصام ص ٣٩٦ - ٣٩٨، وانظر: وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق، جمال أحمد ص ١٦١ - ١٧١.
(٢) التعريفات، الجرجاني ص ٢٥٧.
(٣) الاعتصام ص ٣٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>