ومنها ظاهرة التغريب الحديثة، وذلك بالنظر العلمي في الوقائع التاريخية والاجتماعية، واستخراج الأسباب منها.
وسأقسم الأسباب إلى قسمين: قسم عام دلّ عليه الوحي، وهذا القسم هو الإطار الصحيح للنظر في أسباب الانحراف؛ لأنه من العلم الخبير -سبحانه- ثم تأتي بعده الأسباب الجزئية التي تتحرك في الإطار العام السابق، والتي ما كان لها أن تؤثر كل ذلك التأثير لولا وجود ذلك الخلل العام الذي نبهنا إليه العليم الحكيم -سبحانه-.
° القسم الأول: الأسباب العامة التي حذر منها الوحي:
لقد تأمل العلماء نصوص الوحي حول الانحراف، فجمعوا الأسباب التي دلّ عليها كلام الله -سبحانه- وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ومن ذلك ما قام به "الشاطبي" - رحمه الله - في كتابه "الاعتصام" فذكر أن الاختلاف قدري كوني، وآخر كسبي جاءت النصوص بالتنبيه عليه والتحذير منه مثل: الجهل، واتباع الهوى، واتباع العوائد، وتحسين الظن بالعقل، والفرقة، وساق في ذلك النصوص، وبيّن - رحمه الله - أثرها في ظهور الطوائف المخالفة والبدع والانحرافات العقدية.
قال الشاطبي - رحمه الله -: "فلابد من النظر في هذا الاختلاف ما سببه؟ وله سببان. أحدهما: لا كسب للعباد فيه، وهو الراجع إلى سابق القدر، والآخر هو الكسبي وهو المقصود بالكلام عليه في هذا الباب، إلا أن نجعل السبب الأول مقدمة. . . . قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩)} [هود: ١١٨، ١١٩] فأخبر سبحانه أنهم لا يزالون مختلفين أبدًا. . . ."(١).
ومن أهم الأسباب الكسبية التي ورد بذكرها القرآن نجد: