للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحضارة الغربية التي يجب أن يسمح قليلها بتجديد كل أبعاد الوجود في العالم العربي المعاصر، سيكون التركيز على الفكر العلمي والعقلانية الفلسفية والليبرالية السياسية، وستحدد الهدف على أنه خلق مجتمع عصري مماثل لمجتمعات أوروبا وأمريكا الشمالية ينزع بتصميم نحو الأمام، وينفتح على التقدم مع احتفاظه من الماضي بالتقاليد والسنن التي لن تحول دون بنائه" (١)، وهي تتسع لاتجاهات مختلفة ولاسيّما بين تيار ليبرالي وآخر ماركسي.

ثم يصف حال هذا التغرب فيقول: "كان على تقليد الغرب أن يعم كافة المجالات، من الثياب حتى الفلسفة، ومن الأبجدية حتى المؤسسات السياسية، ومن العادات الجنسية حتى الاقتصاد، إذ لن يوقف منحى الانحطاط سوى قطيعة حاسمة مع الماضي وتنكر كامل للانحطاط، وبعد ذلك -أي: بعد أن نكون بذلك قد ضربنا صفحًا عن كل ما كان يكوّن "الأنا" الوطني الانحطاطي- فقد كان من الممكن ازدراع الغرب في الأراضي العربية لتثبيت النهضة" (٢).

فهذه الشهادات الناقدة من داخل التغريب ذاته تكشف حجم التغريب وسعة مجالاته، وأخْذِها بكل جزء من حياة المتغرب، وهي ظاهرة عجيبة قد حذّر منها النبي - صلى الله عليه وسلم - أمتَه، فالحديث -وإن كان فيه إخبار بما سيقع، وقد وقع فعلًا- ففيه تحذير من هذا الطريق لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

نحن إذًا أمام ظاهرة جديدة هي ظاهرة التغريب، وهي معروفة ومشهورة، فما سبب ظهورها؟

أسباب نشأة الاتجاه التغريبي:

لظهور أي اتجاه جديد أسبابه الداخلية والخارجية، ومن ذلك الاتجاهات الحديثة التي عرفتها بلاد المسلمين، والبحث العلمي عن الأسباب ليس بتلك السهولة، وخير طريق لمعرفة ذلك الابتداء بتوجيهات الوحي وإرشاداته والاسترشاد بفقه سلف الأمة حول مثل هذه الظواهر، إذ هي الموصلة إلى طريق السلامة، ويبقى الأمر بعد ذلك بحسب دقة الباحث في التنزيل الصحيح على الوقائع الجديدة، فيأتي النظر -من خلال هذا الإطار العام- في الحالة الجديدة


(١) الفكر العربي في معركة النهضة، د. أنور عبد الملك ص ٢٧ - ٢٨.
(٢) المرجع السابق ص ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>