للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيرها، قال الشاطبي - رحمه الله -: "فدلّ ضرب المثال في التعيين على أن الاتباع في أعيان أفعالهم" (١).

وهذه بعض الشهادات من مفكرين غير بعيدين عن الفكر التغريبي، وميزتها أنها من أشخاص يعرفون التغريب من داخله، ورغم نقدهم له إلا أنهم لم يخرجوا عنه، ومنها مجمل ما كتبه المفكران المصريان: حسن حنفي وأنور عبد الملك.

يتحدث "د. حسن حنفي" عن أثره الذي امتدَّ "إلى الحياة الثقافية وتصوراتنا للعالم، وهدد استقلالنا الحضاري، بل امتد إلى أساليب الحياة اليومية ونقاء اللغة ومظاهر الحياة العامة وفن العمارة" (٢)، إلى أن قال: "كما تحولت مساحة كبيرة من ثقافتنا المعاصرة إلى وكالات حضارية للغير، وامتداد لمذاهب غربية اشتراكية، ماركسية، ليبرالية، قومية، وجودية، وضعية، شخصانية، بنيوية، سيريالية، تكعيبية. . إلخ حتى لم يعد أحد قادرًا أن يكون عالمًا أو فنانًا إن لم يكن له مذهب ينتسب إليه. ووضعنا أنفسنا أطرافًا في معارك لسنا أطرافًا فيها، وتفرقنا شيعًا وأحزابًا كما تفرق القدماء من ذواتهم، ولكن فرقتنا هذه المرة لم تكن موقفًا من الذات بل تبعية للآخرين. . . . وعادة ما يتحول التغريب الثقافي إلى موالاة سياسية للغرب. . . ." "ص ٢٠". ومع أن التغريب دخل بقوة مع الاستعمار إلا أنه لم يخرج بعد الاستقلال، فيقول: "ولكن بعد الاستقلال الوطني عاد المستعمر من خلال الثقافة، وانتشر التغريب. استقلت البلاد ولكن احتُلَّت الأذهان" (ص ٢٠ - ٢١)، وعندما ظهرت الأحزاب السياسية وريثة التيارات الفكرية أصابها التغريب أيضًا: "إذ لا يوجد عمل سياسي إبداعي دون أصالة بعيدًا عن التغريب. وما زالت أحزابنا السياسية حتى الآن -خاصة العلمانية منها- تصوغ القضية السياسية على نحو متغرب. . . ." (ص ٢٢) (٣).

ويقول "د. أنور عبد الملك" عن التغريب تحت مسمى تيار العصرية الليبرالية: "إن نقطة الانطلاق هنا ليست شيئًا آخر في جوهرها سوى نهضة


(١) الاعتصام، الشاطبي ص ٤٣٨.
(٢) مقدمة في علم الاستغراب، د. حسن حنفي ص ١٩.
(٣) وانظر بتوسع: المرجع نفسه ص ٥٣ - ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>