للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عشر/ النصف الثاني من التاسع عشر "كان بالأزهر يومئذ حزبان: شرعي محافظ. . وحزب صوفي أقل في محافظته من الشرعيين. . وحضر محمَّد عبده دروس كل من الحزبين، فسمع من الحزب الشرعي المحافظ دروس المشايخ: عليش، والرفاعي، والجيزاوي، والطرابلسي، والبحراوي. . ولكنه انتمى إلى الحزب الصوفي، وكان رائده الشيخ حسن رضوان. . . . وكان من هذا الحزب الشيخ حسن الطويل، والشيخ محمَّد البسيوني" (١)، وسيتحول الأمر بحسب رأي "العقاد" إلى "صراع خفي بين طلاب الإصلاح المجددين وبين شيعة الجمود والتقليد من المحافظين على القديم" (٢)، وسيظهر أن أهم أسباب هذا الصراع هو الموقف من علوم الأزهر من جهة، فهل هي كلها تستحق التقدير، والموقف من العلوم العصرية من جهة أخرى، لماذا تبقى بعيدة عن الأزهر.

لقد ابتعد النموذج الجديد الذي وضعه محمَّد علي عن أهدافه (٣)، فذاك التعليم الموازي للأزهر والمعارض له أحيانًا قد انحرف مساره كثيرًا مع التحكم الأجنبي وتدخل أهواء السلطة، ومن أيام محمَّد علي إلى حفيده إسماعيل باشا وهناك طموح في إيجاد مجتمع على شاكلة المجتمعات الأوروبية، وظهرت بارزة عند إسماعيل في رغبته تحويل مصر إلى قطعة من أوروبا، ففتح الباب للأجانب من اليهود والنصارى بشكل لا مثيل له، وارتفع شأنهم، وتولوا من المناصب أعلاها، واستأثروا بإدارة التعليم وتوجيهه مستغلين طموحات الوالي في تغريب المجتمع (٤). وبرغم ما حدث للتعليم مع الأجانب فلم يتحرك الأزهر الحركة المرجوة منه، بأن يتولى هو التعليم ويحاول سحبه منهم أو يوجد المشروع البديل، وربما لم يكن في مقدوره فعل ذلك وهو في الأصل واقع في مشكلاته الخاصة التي تُعطّل قيامه بالدور المطلوب.

سأعرض الآن شهادة لأحد من عاصر تلك المرحلة وعاش معاناتها وهو "أحمد تيمور باشا"، فيذكر معاناته بين المؤسستين، المؤسسة الأزهرية والمؤسسة


(١) الإِمام محمَّد عبده مجدد الدنيا بتجديد الدين، د. محمَّد عمارة ص ٢٧.
(٢) انظر: محمَّد عبده، عباس العقاد ص ١٣٤، وانظر: أعلام الفكر الإِسلامي في العصر الحديث، أحمد تيمور ص ١٤٨ - ١٥٠.
(٣) انظر: واقعنا المعاصر، د. محمَّد قطب ص ٢٠٨ وما بعدها.
(٤) انظر فقرة: المدارس والمدرس الأجنبي من هذا الفصل ص ٥٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>