للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العصرية، فيقول: "فإني كنت خرجت من المدارس بعد تلقي ما يتلقى بها من العلوم المعروفة وأنا في سن العشرين. وقد علق بالعقيدة شيء من آثار التربية بهذه المدارس". مما يدلّ على نشاطها الذي يتجاوز تقديم العلوم والمعارف إلى هدمها العقائد والدين، ثم يقول: "إلا أني كنت مولعًا منذ الصغر بالإِسلام ومحاسنه، والمطالعة في السيرة النبوية، ومناقب الأصحاب والخلفاء الراشدين، فكان ينشرح صدري لأشياء، وينقبض من أشياء تعرض لي فيها شبهات، ثم كنت أعرض ما يظهر لي من مكارم الشريعة ومقاصدها على ما عليه الناس من البدع والمحدثات التي تمسكوا بها، وجعلوها من الأصول الدينية، فأجد التناقض والتصادم".

يعترف "تيمور" بأنه وإن تأثر بدراسته، إلا أن تربيته الخاصة وحبه للإسلام وجهده الذاتي حماه بفضل الله من الابتعاد عن الدين، ولكنه في المقابل يشاهد في مجتمعه مظاهر يزعم أصحابها أنها من الدين، وفي مثل هذا الوضع فالمرجع لتوضيح الأمر هو الأزهر الذي يقابل تلك المدرسة التي أثّرت فيه، وهذا هو الأصل أن يعالج تلك المظاهر السلبية في المجتمع، فيقول: "فصرت أتردد على كثير من كبار علماء الأزهر وغيرهم، لعلي أجد عندهم مفرجًا، فأراهم أحرص من العامة على هذه الخزعبلات، حتى كدت أحكم بأنها من الدين، وأن الأمر دائر بين شيئين، فإما أن يكون الدين دين خرافات وخزعبلات تنفر منها الطباع السليمة، وإما أن يكون ما نراه حقًا، ولكن يمنعنا من قبوله إلحاد تأصل في النفس" (١).

يكشف هذا الاعتراف عن عمق الأزمة التي عاشها بعض أبناء تلك المرحلة بين جهتين، جهة تشكك في العقيدة، وأخرى تحرص على الخزعبلات، ويقف الشاب حائرًا بينهما، وأبقاه حبه للإسلام داخل دائرة الدين وأوصلته الحيرة والتناقضات التي أمامه إلى حالة من اختلاط المفاهيم، إما أن الدين خزعبلات


(١) أعلام الفكر الإِسلامي في العصر الحديث، أحمد تيمور باشا ص ١٠٠ - ١٠١، وانظر: المقال المميز في مجلة "المنار" بعنوان: المدارس الوطنية في الديار المصرية ١/ ٢٥٦ سنة (١٣١٦ هـ -١٨٩٨ م)، وفيه يقول: (ومدارس الحكومة المصرية لا أثر فيها للصبغة الدينية، بل قيل: إن الوليد يدخلها بدين ويخرج منها مارقًا والعياذ بالله. . . .).

<<  <  ج: ص:  >  >>