للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وربما هذا ما تحرص على زرعه المدارس الأخرى، وإما أن هذه الخزعبلات هي الدين فعلًا، ولكن الإلحاد المتسرب إلى النفس منع من الراحة إليها والاطمئنان بها. وإذا كان هذا الشاب الباحث عن الحقيقة والباذل لأسبابها قد وفق بأمثال الشيخ "حسن الطويل" (١٢٥٠ - ١٣١٥ هـ) حيث كان من العلماء الذين خرجوا عن التقليد والتعصب وفتح قلبه وعقله للحق (١)، وعنه يقول تلميذه -ذاك الشاب المحتار-: "وكان -رحمه الله- سني العقيدة، صوفي المشرب، لا يحيد عن الشرع قيد إصبع، آخذًا بمذهب الإِمام ابن تيمية بمسألة الاستغاثة بالقبور والاستشفاء بالموتى، منكرًا على المبتدعة أشد إنكار. آية من آيات الله في معرفة التفسير وحل مشكلات الكتاب المبين، متضلعًا من الحديث، متحصنًا بالشريعة في كل علم يقرؤه من كلام أو حكمة أو تصوف أو رياضيات أو طبيعيات"، إلى أن قال: "ومع انحراف علماء الأزهر عنه؛ لإنكاره عليهم بدعهم وما درجوا عليه، فإنهم كانوا مقرّين بفضله، وكثيرًا ما كانوا يحتاجون إليه في معرفة أسرار الشريعة، وحل مشكلاتها، والرد على الطاعنين عليها من أرباب النِّحَل الأخرى والمرتدين" (٢). فعند هذا الشيخ -العالم بالشريعة العارف بالعلوم الرياضية والطبيعية والمطلع على الأفكار والفلسفات- وجد الشاب حاجته، وما يروي غليله، وما يعالج ما اعتلج بصدره من خواطر حول العلاقة بين المدرستين وأهلها وموضوعاتها. لم يتحرر حسن الطويل من كل أحمال تركة العصور المتأخرة، ورغم اتصاله وانتفاعه بتراث ابن تيمية فإنه بقي على صلة بالتصوف والكلام وبعض ما يُثقل السائر الثائر، وهذا مما يجعل مادته مهدئة لما ينتاب أنفس الشباب دون أن تكون العلاج الناجع.

بقيت أوضاع الأزهر على هذه الحال حتى جاء الزلزال الثاني لأرض مصر وهو الاحتلال البريطاني، حيث كان الأول مع الاحتلال الفرنسي وكان الثاني وهو الأطول مع الاحتلال البريطاني، وحسب كلام العقاد (٣): فإن سلطات الاحتلال قد سحبت كل الإدارات من الباشا، وما أبقت له إلا المؤسسات الدينية


(١) انظر ترجمته في المرجع السابق: أعلام الفكر الإِسلامي في العصر الحديث ص ٩٣.
(٢) المرجع السابق ص ٩٨.
(٣) انظر كتابه: (محمَّد عبده) ص ١٣٤ - ١٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>