للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى لا تثير حساسية الناس ومنها الأزهر، بينما تصرفت في بقية الإدارات تحت دعوى إصلاحها وتحديثها وتطويرها، وعندما لم يجد الباشا إلا تلك الوسائل الدينية وحتى لا يكون متخلفًا عن دعوات التحديث، فقد أراد أن يمارس سلطته عليها, ولكنه أراد -مع من حوله- مدخلًا مناسبًا وحيلة يحتالون بها، فكانت هذه الواقعة المهمة:

تم الاتفاق "على استفتاء شيخ الجامع الأزهر، ومفتي الديار المصرية، في مسألة العلوم التي يجوز تدريسها في الجامع، ولا تعتبر العناية بها في أماكن العبادة مخالفةً للتقاليد الإِسلامية، وكلفوا عالمًا تونسيًا فاضلًا -هو الأستاذ محمَّد بيرم أشهر علماء جامع الزيتونة في عصره- أن يتوجه بهذا الاستفتاء إلى الشيخ محمَّد الإنبابي (١) شيخ الجامع يومذاك (١٣٠٥ هـ -١٨٨٧ م) فكتب إليه بعد تمهيد وجيز:

". . ما قولكم رضي الله عنكم: هل يجوز تعلم المسلمين للعلوم الرياضية، مثل: الهندسة والحساب والهيئة والطبيعيات، وتركيب الأجزاء المعبر عنها بالكيمياء، وغيرها من سائر المعارف، لاسيّما ما ينبني عليه منها في زيادة القوة في الأمة بما تجاري به الأمم المعاصرين لها في كل ما يشمله الأمر بالاستعداد؟ بل هل يجب بعض تلك العلوم على طائفة من الأمة بمعنى أن يكون واجبًا وجوبًا كفائيًا على نحو التفصيل الذي ذكره فيها الإِمام حجة الإِسلام الغزالي في إحياء العلوم ونقله علماء الحنفية أيضًا وأقروه، وإذا كان الحكم فيها كذلك فهل يجوز قراءتها مثل ما تجوز قراءة العلوم الآلية من نحو وغيره الرائجة الآن بالجامع الأزهر والزيتونة والقرويين. . أفيدوا الجواب لا زلتم مقصدًا لأولي الألباب"" (٢).

وقعت هذه الفتوى بعد ما يقرب من قرن ونصف من الحادثة المشهورة التي وقعت بين الوالي المحب لعلم الرياضيات وبين شيخ الأزهر، وسبق فيها إقرار


(١) بحسب دراسة أزهرية حديثة بأنه كان من آثار الأفغاني والكواكبي وعبده يقظة في الفكر المصري (وكان من صدى ذلك التمهيد لإصلاح التأخر العلمي في عهد شيخه الرافض للتجديد -الشيخ الإنبابي- بحيلة وهي: إرسال استفتاء. . . .)، انظر: جهود الأزهر في الرد على التيارات الفكرية المنحرفة. . . .، د. صلاح العادلي ص ٣٦.
(٢) محمَّد عبده، عباس العقاد ص ١٣٥ - ١٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>