للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيخ الأزهر بكلام الغزالي والأعذار التي قدمها, ولكن هاهي السنين تمضي ومع ذلك لم تعالج المشكلة، ويبقى السؤال يتكرر، إما للجهل بالحكم أو للتعجب من عدم بذل المطلوب في تحقيق فروض الكفايات -لا بمعنى وجود من يعلمها وإنما وجود ثمرتها في الأمة، فالنقص حاصل والحاجة ملحّة ومع ذلك لم يقم الأزهر بدوره المطلوب- مما يجعل السؤال يتكرر والفتوى تتكرر، ومع ذلك فالحال كما هي عليه في الوقت الذي غزتنا فيه المدارس الأجنبية والتعليم الأجنبي ثم احتلنا الأجنبي ذاته، والمعالجة لا تتجاوز تكرير الفتوى دون عمل واقعي يصدقها، فلننظر إلى الجواب:

ذكر "العقاد" بأن الشيخ الأنبابي كان يعلم مصدر الاستفتاء، فلم يهمله كما أشار عليه بعض أعوانه، وكتب في جوابه ما يأتي: ". . . . يجوز تعلم العلوم الرياضية مثل الحساب والهندسة، والجغرافيا؛ لأنه لا تعرض فيها لشيء من الأمور الدينية، بل يجب منها ما تتوقف عليه مصلحة دينية أو دنيوية وجوبًا كفائيًا، كما يجب علم الطب لذلك -كما أفاده الغزالي في مواضع من الإحياء- وأن ما زاد على الواجب من تلك العلوم مما يحصل به زيادة في القدر الواجب، فتعلمه فضيلة"، إلى هنا الفتوى عما لا يتعرض منها للدين، ثم جاء الكلام عما له تعرض بالدين، وهما "علم الهيئة والطبيعيات"، فقال الشيخ: "ولا يدخل في علم الهيئة الباحث عن أشكال الأفلاك والكواكب وسيرها علم التنجيم، المسمى بعلم أحكام النجوم -وهو الباحث عن الاستدلال بالتشكلات الفلكية على الحوادث السفلية- فإنه حرام كما قال الغزالي، وعلل ذلك بما محصله أنه يخشى من ممارسته نسبة التأثير للكواكب، والتعرض للأخبار بالمغيبات، مع كون الناظر قد يخطئ لخفاء بعض الشروط". ففرق الشيخ بين نوعين في علم الهيئة: نوع يدخل في الدراسات الطبيعية العلمية وآخر له صلة بالأمور الدينية، ولاسيّما مسألة الغيب، والملاحظ هنا أنه ينقل تصوره عن هذا العلم كما كان معهودًا في القرن الخامس الهجري.

ثم انتقل في فتواه إلى العلم الثاني المُشْكل وهو الطبيعيات، فقال: "وأما الطبيعيات -وهي الباحثة عن صفات الأجسام وخواصها وكيفية استحالتها وتغيرها، كما في الإحياء في الباب الثاني من كتاب العلم- فإن كان ذلك البحث عن طريق أهل الشرع فلا مانع منها كما أفاده العلامة شهاب الدين أحمد بن

<<  <  ج: ص:  >  >>