انتبه لمشكلات عصره وآثارِها على عقليات المثقفين والمتعلمين، ولاسيّما تلك المتعلقة بالعلوم والفلسفة والاجتماعيات، وإن كان قد أُخذ على هذه الطريقة فيما بعد أنها تضعنا عادة في موقف الدفاع، وهي طريقة تجاوزها الفكر الإسلامي فيما بعد إلى اتخاذ طريقة الهجوم وربما القسم الأخير يؤدي إليها:
ففي هذا القسم يُقرأ تفسير "الآيات الدالة على ما امتاز به الإسلام على جميع الأديان، وبيان حقائق العلوم التي لم تكن معروفة في زمن التنزيل، ولاسيّما للعرب سواء كان ذلك في علوم الكون أو علوم الاجتماع والشرائع والآداب"، فقد أدخل في هذا القسم عرض حقائق العلوم التي كشفها البشر وهداهم الله إليها ومع ذلك فنجد في الآيات ما يدل عليها، أو بيان عدم وجود التعارض بين الحقائق الشرعية وحقائق العلوم المختلفة، ولكن ليس على سبيل التنظير بالقواعد بل عبر التطبيق العملي، ولا شك أن الشيخ كان يستحضر أزمة عصره وزمنه على تلك العقول الحائرة التي لم تجد جوابًا في تعليم الأزهر، وفي الوقت نفسه تزلزلهم تلك المدارس المختلفة التي لا تعتني بالدين، بل كما يقول الشيخ عنها:"يدخلها الطالب بدين ويخرج منها بدين".
نجد هذا واضحًا أيضًا في (٢) الكلام (١) وهو العلم الذي يقصد به الشيخ "علم حماية العقائد الإِسلامية والدفاع عنها ورد ما يورده الملاحدة والمبتدعة من الشبهات عليها والتحريف فيها، بالدلائل الحقيقية، والإلزامية وقد تجدد في هذا العصر شبهات لم تكن معروفة في عصر المتكلمين السابقين، وبطل كثير من تلك الشبهات التي كانت رائجة في عصرهم، المستنبطة من العلوم اليونانية وغيرها، فتجب العناية في هذا العلم بما يحتاج في هذا الزمن على الطريقة التي ترجى فائدتها فيه".
ثم ذكر الجزء المخصص للدعاة فقال: "يتوسع لهذا الصنف في رد
(١) انظر: مجلة المنار، المجلد ١٤/ ٨٠١ سنة (١٣٢٩ هـ -١٩١١ م)، ويلاحظ هنا أنه فصل بين علم التوحيد وعلم الكلام، والشيخ كأكثر أهل عصره يعتبر "علم الكلام" مادة أساسية، إلا أن الشيخ عرض هذا العلم بصورة جديدة تجعله أقرب إلى نقد المذاهب المخالفة، كما أن تأثره فيما بعد بمنهج شيخ الإسلام ابن تيمية جعله يبتعد عن سلبيات علم الكلام، ولم يسلم من ملاحظات بيّنها تامر متولي في بحثه: (منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة)، وانظر: السيد رشيد رضا. . . .، أرسلان ص ٣٧.